موجز حالة حقوق الإنسان في ليبيا خلال عام 2022

مركز مدافع لحقوق الإنسان

باريس – 13 فبراير 2023

مقدمة

لا تزال ليبيا ساحة آمنة لمنتهكي حقوق الإنسان في ظل تفشي ظاهرة الإفلات من العقاب وغياب المحاسبة، فضلا عن تواصل الانقسام السياسي الذي ترسخ بوجود حكومتين متنافستين. وبعد أن أخفقت جولات الحوار بين الأطراف السياسية في التوصل لاتفاق ملموس يسمح بإجراء الانتخابات، شهدت شوارع ليبيا في الأول من يوليو موجة عارمة من الاحتجاجات، في الشرق والغرب، تطالب بإسقاط كافة المؤسسات السياسية وتنظيم الانتخابات. 

كما تصاعدت وتيرة الحملة القمعية ضد المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان؛ الأمر الذي أثار الذعر في صفوف المجتمع المدني وأجبر العديد من المنظمات والنشطاء إلى تقليص أنشطتهم خشية التعرض للاعتقال التعسفي وغيره من الأعمال الانتقامية. وبينما لا تتمتع ليبيا بحرية الصحافة؛ فلا يزال الصحفيون والنشطاء يتعرضون للإخفاء القسري. وأصدر مجلس النواب قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية الذي يمثل تهديدًا خطيرًا لحرية التعبير والصحافة. وتتواصل مأساة المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء الذي يتعرضون للاحتجاز التعسفي والتعذيب والقتل والعنف الجنسي والخطف من أجل طلب الفدية، كما لا يزال النازحين داخليًا يعانون التشرد والعيش في ظل ظروف قاسية. كما شهد عام 2022 تدهور وضعية النساء الليبيات، حيث سجلت العديد من التقارير تزايد حوادث العنف والاعتداءات على النساء، وقد أكدتها المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد المرأة، وذلك في أعقاب زيارتها لليبيا في نهاية العام. وقد واجهت البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا تحديات مختلفة في سبيل تجديد ولايتها، لا سيما من السلطات الليبية؛ وفي نهاية المطاف تم تجديد ولاية البعثة للمرة الأخيرة، وتنهي عملها بحلول مارس 2023.  

ليبيا في متاهة 

في أعقاب الفشل الذريع للسلطات الليبية في عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ديسمبر 2021؛ دخلت البلاد معترك أزمة سياسية جديدة، حيث أعلن مجلس النواب في 10 فبراير عن اختياره وزير الداخلية الأسبق في حكومة الوفاق الوطني فتحي باشاغا، رئيسًا جديدًا للحكومة خلفًا‏ لعبد الحميد الدبيبة. وقد رفض الدبيبة قرار مجلس النواب وأعلن استمراره في منصبه رئيسًا للحكومة، وقد حظي آنذاك باستمرار دعم الأمم المتحدة. وفي مايو، شهدت طرابلس اشتباكات عنيفة خلال محاولة باشاغا دخول العاصمة للمطالبة بالسلطة. وقد انسحب باشاغا بعد ساعات من فشل المحاولة التي كادت تدخل البلاد في أتون صراع دامٍ جديد. 

ومع أن البلاد نجت، مؤقتا، من استئناف الاقتتال الداخلي، فإن الصراع السياسي استمر دون هوادة بين الأطراف السياسية المتنافسة في الشرق والغرب. وقد قامت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا برعاية حوار بين الأطراف الليبية، بهدف التوصل إلى إطار دستوري توافقي بما يسمح بإجراء الانتخابات في أقرب وقت، ولكن لم تسفر جولات الحوار عن نتيجة ملموسة. 

وشهدت ليبيا في الأول من يوليو 2022 موجة احتجاج عارمة على تدهور الأوضاع المعيشية وعلى تفاقم الأزمة السياسية. حيث اقتحم محتجون مقر البرلمان في طبرق في شرق البلاد وأضرموا فيه النيران، كما شهدت طرابلس احتجاجات طالب المشاركون فيها بإجراء الانتخابات وإسقاط كافة السلطات السياسية وإجراء الانتخابات، وامتدت الاحتجاجات إلى كل من البيضاء ومصراتة وبعض المدن الأخرى، وهدد المحتجون بإعلان العصيان المدني حتى تتحقق أهدافهم. 

وقد سارعت كافة الأطراف السياسية، التي تطالب الاحتجاجات بإسقاطها، بالتعبير عن دعم المتظاهرين وتفهم مطالبهم والدعوة إلى إجراء الانتخابات؛ في محاولة جليّة للالتفاف على مطالب المحتجين الرافضين الذين حمَّلوا كافة المؤسسات السياسية مسئولية تدهور الأوضاع المعيشية والأمنية، فضلا عن التسبب في دخول الأزمة السياسية إلى نفق مظلم، الأمر الذي دفع المواطنين إلى الاحتجاج في الشوارع ومطالبة جميع المسؤولين بالرحيل.  

ويُتوقع انعقاد مؤتمر للمصالحة الوطنية في طرابلس في الربع الأول من 2023، بإشراف أحد أطراف الصراع، المجلس الرئاسي، وبرعاية إفريقية، وذلك في ظل عدم توافر قدر كاف من المعلومات بشأن ترتيبات المؤتمر، أو معايير اختيار المشاركين من الأطراف السياسية، أو ما إذا كانت هناك إرادة سياسية لوجود مشاركة جادة للمجتمع المدني في المؤتمر. 

وبالرغم من عدم وضوح مبررات توقيت انعقاد المؤتمر في ظل أزمة سياسة خانقة ونزاع مؤسسي مستمر، فإنه، من حيث المبدأ، فإن أي جهود للمصالحة يجب أن تحظى بالدعم والتأييد، ولكن في الوقت ذاته، لا بد أن تتسم الإجراءات المتخذة بالوضوح والعلنية والشفافية؛ إذ من حق كافة المواطنين الليبيين معرفة ما يدور بشأن المؤتمر، بما في ذلك المراحل المبكرة من الإعداد له، مرورًا بمواقف كافة الأطراف وآليات المفاوضات، وحتى إعلان النتائج التي يجب أن تعبّر عن مصالح كافة الليبيين وليس فئة واحدة أو اثنتين.

تجديد ولاية بعثة تقصي الحقائق

في محاولة لإنهاء دوامة الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني؛ أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارًا في يونيو 2020 بتشكيل بعثة لتقصي الحقائق في ليبيا، من أجل التحقيق في الانتهاكات المرتكبة في البلاد منذ عام 2016، ولكن بسبب أزمة السيولة في الأمم المتحدة والتأجيلات الناجمة عن تفشي كوفيد-19؛ لم تستطع البعثة أن تعمل في كامل طاقتها إلا في وقت متأخر للغاية. 

وبالرغم من ذلك، تمكنت بعثة تقصي الحقائق المستقلة من إصدار تقريرين على قدر عالٍ من الأهمية، وذلك في أكتوبر 2021 وفي مارس 2022. وقد أكدت البعثة أن “أسبابًا معقولة تدعو للاعتقاد بأن جرائم حرب قد ارتُكبت في ليبيا” مع الإشارة إلى أن العنف الممارس في السجون وضد المهاجرين قد يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية. كما أكدت وجود أدلة على ارتكاب جميع أطراف النزاعات في ليبيا لانتهاكات للقانون الإنساني الدولي، وأن بعض تلك الأطراف قد ارتكب جرائم حرب. وسلّطت الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون وطالبو اللجوء واللاجئون، سواء في البحر أو في أماكن الاحتجاز وعلى أيدي المتجرين بالبشر. 

علاوة على ذلك، تناولت البعثة الانتهاكات التي يتعرض لها النازحون وتجنيد الأطفال وحالات الاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء والعنف الجنسي وغيره من أشكال العنف ضد الفئات المستضعفة. ورصدت توقيف واحتجاز جماعات مسلحة لأشخاص بسبب آرائهم حول الانتخابات أو دعمهم لمرشح معين، واستمرار الاعتداء على السلطة القضائية، واستمرار الإفلات من العقاب على الهجمات الموجهة ضد النساء المنخرطات في السياسة. 

وإدراكًا لأهمية استمرار عمل البعثة، دعت منظمات حقوق الإنسان الليبية والدولية لتجديد عمل ولاية البعثة خلال الدورة الخمسين لمجلس حقوق الإنسان في 2022. كما تواصلت منظمات حقوقية ليبية، من بينها مركز مدافع، بشكل رسمي مع السلطات الليبية، لتحثها على دعم البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا وتجديد ولايتها. وخلال كل تلك الجهود، ظهر بوضوح عدم توافر الإرادة السياسية لدى ليبيا لدعم البعثة وإنهاء الإفلات من العقاب ووضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان. وفي نهاية المطاف، تم تجديد ولاية البعثة للمرة الأخيرة وتقرر موعد إنهاء عملها في مارس 2023. ولم تعلن الحكومة الليبية مبررات رفضها لاستمرار عمل البعثة بعد مارس القادم، الأمر الذي يضع تحديًا كبيرًا في ظل غياب آلية أخرى بديلة لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا.

السلطات تواصل القمع المنهجي للمجتمع المدني

نتيجة غياب الإرادة السياسية لدى أي من الحكومات الليبية المتعاقبة بعد الثورة لإزالة القيود القانونية التعسفية المتعارضة مع المعايير الدولية لحرية تكوين الجمعيات، والمتعارضة مع الإعلان الدستوري المؤقت، تواصل السلطات الأمنية في ليبيا خنق المجتمع المدني بالمزيد من القيود والعراقيل القانونية، وذلك عن طريق مفوضية المجتمع المدني في طرابلس. وبالرغم من مطالب منظمات حقوق الإنسان الليبية والدولية بإنهاء الحملة القمعية ضد المجتمع المدني وإطلاق سراح المحتجزين تعسفيًا – فإن السلطات تجاهلت أصوات ونداءات المطالبين بحرية التنظيم والتعبير والتجمع، كما واصلت مفوضية المجتمع المدني في طرابلس سياستها في التضييق على المنظمات، وواصلت إصدار قرارات تتعارض مع الحقوق الدستورية وفقًا للمادتين 14 و15 من الإعلان الدستوري المؤقت، ومع المعايير الدولية لحرية التنظيم وتكوين الجمعيات، ومع التزامات ليبيا الدولية في مجال حقوق الإنسان.

وبينما شهد عام 2020 جهودًا حثيثة لإلغاء استقلالية المنظمات وتأميم العمل الأهلي، بدأنا نشهد في 2021 تحوّل مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحة لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان، ولا سيما النساء. وفي 2022، تصاعدت الحملة القمعية ضد منظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي وتشويه السمعة والتحريض عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإعلامي، بالإضافة إلى فرض السلطات المزيد من القيود التعسفية -عبر مفوضية المجتمع المدني في طرابلس- على عمل ونشاط المنظمات، وذلك بالمخالفة للإعلان الدستوري الليبي والمعايير الدولية لحرية التنظيم وتكوين الجمعيات. كما شهد 2002 تحالف الخطاب الديني مع سردية جهاز الأمن الداخلي المعادية لمنظمات حقوق الإنسان، وظهر ذلك في استغلال المنابر الدينية للتحريض على النشطاء الحقوقيين واتهامهم بأنهم أداة في أيدي الدول الغربية الساعية لهدم قيم وتقاليد المجتمع الليبي. 

وقد سجّل مركز مدافع تفشي مناخ من الخوف والذعر بين المدافعين عن حقوق الإنسان في عموم البلاد، وقامت بعض المنظمات بتجميد أو تقليص أنشطتها؛ خشية الملاحقة القانونية والأمنية. على سبيل المثال، أعلنت حركة تنوير، وهي تجمع مدني ليبي، عن إيقاف نشاطها بشكل نهائي. وفيما أشارت في آخر بياناتها إلى افتقار ليبيا لوجود هامش من الحرية يسمح بنقاش القضايا الثقافية والفكرية؛ طالبت السلطات بالتوقف عن ملاحقة أعضائها وإطلاق سراح المعتقلين منهم. الجدير بالذكر أنها ليست المرة الأولى التي تضطر فيها منظمة مدنية ليبية إلى إيقاف نشاطها خوفًا على سلامة أعضائها؛ حيث سبق أن أعلن تجمع تاناروت للإبداع الليبي في ديسمبر 2020 عن تعليق أنشطته الثقافية حتى إشعار آخر، وذلك بعد تعرضه لحملة تشويه من قِبَل الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية.

وقد صدرت أحكام جائرة بحق عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان الذين جرى اعتقالهم خلال الحملة التي تشنها الأجهزة الأمنية على النشطاء ومجموعات حقوق الإنسان منذ ديسمبر 2021. حيث صدر في يوليو 2022 حكمًا ضد أحد المدافعين بالسجن لمدة 10 سنوات، وذلك بتهم الانتماء لمجموعة تم إنشاؤها بالمخالفة للقانون ونشر أفكار هدامة تهدد قيم المجتمع الليبي وسوء استخدام شبكة الإنترنت. وفي أكتوبر 2022، صدر حكم بالسجن لمدة 3 سنوات بحق أربعة آخرين على أساس نفس التهم المشار إليها أعلاه. ويبقى مصير بقية المدافعين القابعين في غياهب المعتقلات الليبية مجهولا في ظل التعتيم الإعلامي، وعدم توافر معلومات موثوقة، وخوف الأهالي من أن يسفر التناول الإعلامي لقضايا أبنائهم عن تعرضهم للانتقام والمعاملة السيئة من أجهزة الأمن.

وبينما أشارت تقارير في النصف الأول من العام إلى القيود المفروضة على عدد من المنظمات الإنسانية الدولية في جميع أنحاء البلاد، وتوثيق لجوء السلطات إلى فرض طلبات “غير الاعتيادية”، وزيادة المضايقات التي يتعرض لها العاملون في المجال الإنساني؛ تصاعدت الحملة الأمنية في النصف الثاني من 2022 ضد المنظمات الدولية العاملة في ليبيا، بما في ذلك المنظمات الإنسانية. في 17 نوفمبر 2022، تم تداول تعميم صادر عن وزارة الحكم المحلي بحظر التعامل مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر في ليبيا؛ وذلك بناء على مراسلة صادرة عن جهاز الأمن الداخلي في 4 أكتوبر 2022، تزعم أن اللجنة تمارس أنشطة مخالفة لاختصاصاتها المعلنة وبما يهدد الأمن القومي للبلاد. وفي 27 نوفمبر 2022، صدر تعميم آخر من مكتب وزير الحكم المحلي يقضي بإلغاء التعميم المشار إليه أعلاه وذلك “لانتفاء أسبابه بناء على إفادة الجهات المختصة”.

مفوضية المجتمع المدني أداة للقمع

في 6 إبريل 2022، نشرت مفوضية المجتمع المدني في طرابلس تعميمًا تحظر فيه على منظمات المجتمع المدني، أو الأفراد المنتمين لها، المشاركة في أي نشاط خارج الأراضي الليبية، بما في ذلك التدريبات وورش العمل أو التعاون مع المنظمات الدولية أو تلقي الدعم منها، إلا بعد الحصول على موافقة المفوضية، والتي تقوم بدورها بالتواصل مع الجهات الأمنية قبل اتخاذ “قرارها”. وهو الأمر الذي يُعد خطوة إضافية في المسار الذي اتخذته المفوضية تجاه التقييد المنهجي لحرية التنظيم وتكوين الجمعيات.

ومنذ إصدار القرار 286 بشأن اعتماد اللائحة التنظيمية لعمل مفوضية المجتمع المدني في مارس 2019، سلّطت منظمات حقوق الإنسان الليبية الضوء على المخالفات التي تضمنها القرار للإعلان الدستوري المؤقت (المادتين 14 و15) وللمعايير الدولية لحرية تكوين الجمعيات. وقد سعت المفوضية إلى فرض مزيد من الهيمنة على الجمعيات بإضافتها مستندًا جديدًا إلى الأوراق الخاصة بإجراءات تسجيل الجمعيات وتجديد التراخيص؛ حيث يتم إجبار مؤسسي الجمعيات على التعهد بـعدم التعامل مع السفارات والقنصليات الأجنبية في الداخل والخارج والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية بكافة صور التعامل سواء كان ذلك بعقد الاجتماعات واللقاءات، أو توجيه الدعوة لهم، أو تلبية دعواتهم، أو توقيع أي اتفاقيات أو عقود بشكل عام إلا بعد الرجوع وطلب الإذن والموافقة من مفوضية المجتمع المدني. وهو ما حذرت منه منظمات حقوقية ليبية وعَدَّته بمنزلة تأميم للعمل الأهلي وعزل للمجتمع المدني عن العالم الخارجي.

جدير بالذكر أنه حتى وقت قريب، كانت العديد من المنظمات تلجأ للتسجيل لدى مفوضية المجتمع المدني في بنغازي؛ هربًا من القيود التعسفية التي تفرضها مفوضية المجتمع المدني في طرابلس على تسجيل الجمعيات، ولكن في تطور سلبي يشير إلى تفاقم وضع حرية تكوين الجمعيات في ليبيا، أصدرت مفوضية بنغازي في 29 مارس تعميمًا هددت فيه بتجميد نشاط المنظمات التي لا تقوم بتحديث بياناتها وإيداع تقاريرها دوريًا دون سند من القانون. وجاء هذا التعميم بعد يومين فقط من تعميم آخر أصدرته مفوضية طرابلس أعلنت فيه عن تعليق قيد المنظمات التي لم تقم بتسوية أوضاعها وفقًا للائحة 286 لسنة 2019. 

علاوة على ذلك، قامت مفوضية المجتمع المدني بطرابلس بدعم الحملة القمعية المستمرة ضد منظمات المجتمع المدني، حيث أصدرت المفوضية بيانًا تدعم فيه الإجراءات القمعية تجاه المنظمات، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي لعدد من المدافعين عن حقوق الإنسان. كما أصدرت مفوضية المجتمع المدني في طرابلس بيانًا مماثلا استخدمت فيه آيات من القرآن في انتقادها لبيان إحدى منظمات المجتمع المدني الليبية التي تعلق فيه على الإجراءات الأمنية ضد النشطاء، وهو أمر شديد الخطورة في سياق مجتمعي له خبرات في استخدام سلاح “التكفير” وسفك الدماء باسم الدين.

على الجانب الآخر، تعرض بعض مسؤولي مفوضية المجتمع المدني في بنغازي إلى مضايقات وانتهاكات بلغت حد قيام جهاز الأمن الداخلي باحتجاز المدير التنفيذي للمفوضية إبراهيم المقصبي في 18 ديسمبر 2022، بالإضافة إلى احتجاز مدير إدارة التسجيل والتوثيق وشؤون الفروع بالمفوضية سالم المعداني في 22 ديسمبر 2022. وقد تم إطلاق سراح المقصبي في 19 يناير 2023، قبل الإفراج عن المعداني في 26 يناير 2023. ونعتقد أن احتجاز المقصبي والمعداني جاء في إطار سعي الأجهزة الأمنية للهيمنة على المجتمع المدني في ليبيا وتأميم نشاطه وإدارة شؤونه عبر موظفين ومسؤولين يخضعون للتعليمات الأمنية. 

ففي خلال العام الماضي، لاحظنا لجوء العديد من المنظمات للتسجيل لدى مفوضية المجتمع المدني في بنغازي؛ هربًا من القيود التعسفية التي تفرضها المفوضية في طرابلس على تسجيل الجمعيات. ويبدو أن بعض الأطراف الليبية، التي ترغب في قمع حرية التنظيم وتكوين الجمعيات في ليبيا، قد شاركتنا تلك الملاحظة وبدأت تتخذ تدابيرها لسد تلك “الثغرة” التي تستفيد منها المنظمات الحقوقية الليبية والمنظمات الدولية الإنسانية. 

الجدير بالذكر في هذا السياق، أنه خلال ديسمبر 2022 قامت الرئيسة السابقة لمفوضية المجتمع المدني في بنغازي بإلغاء قرار صادر عن المفوضية بمنح تراخيص مزاولة العمل لـ 37 منظمة غير حكومية دولية تعمل في ليبيا، وهو ما دفع المقصبي، المدير التنفيذي، لإصدار بيان في اليوم التالي يؤكد فيه أن القرار صدر عن السيدة مبروكة بالتمر بعد سحب الثقة منها وتكليف نائب الرئيس السيد محمود عيسى البرعصي بمهام رئيس المجلس مؤقتًا، وطالب المدير التنفيذي المنظمات الدولية غير الحكومية العاملة في ليبيا بالاستمرار في إجراءات تجديد التراخيص. وهو ما جعل عدد من المنظمات الحقوقية الليبية تعتقد بأن أسباب احتجاز المقصبي والمعداني تتجاوز ما يثار حول الخلاف الإداري داخل المفوضية، وأنهما ربما يدفعان ثمن سياساتهما الداعمة للمجتمع المدني ومحاولتهما تسهيل إجراءات تسجيل وعمل المنظمات غير الحكومية. 

ومنذ سنوات، تؤكد المنظمات الحقوقية الليبية أن حل أزمة حرية التنظيم في ليبيا يكمن في إصدار قانون للجمعيات يتوافق مع المعايير الدولية لحرية التنظيم. ولم تكتفِ المنظمات والخبراء الليبيون المعنيون بالأمر، بالمطالبة بوضع قانون جديد، بل قاموا بالفعل بإعداد مشروع قانون للجمعيات يتوافق مع المعايير الدولية، وتم تقديمه لمجلس النواب في أكتوبر 2021. وقد حصل مشروع القانون على دعم عشرة أعضاء من مجلس النواب وفقًا للائحة الداخلية للمجلس، وتمت إحالته إلى اللجنة التشريعية بالمجلس تمهيدًا لعرضه على الأعضاء في جلسة رسمية، إلا أن اللجنة التشريعية تتقاعس عن القيام بذلك حتى الآن. وهو ما يؤكد غياب الإرادة السياسية في ليبيا لاحترام حرية التنظيم وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان. 

المهاجرين واللاجئين: معاناة لا تنتهي

 في تقريرها عن الهجرة في ليبيا في أكتوبر 2022، قدَّرت منظمة الهجرة الدولية عدد المهاجرين في ليبيا بنحو 683.8183 مهاجرًا من 42 دولة، ليزداد عدد المهاجرين في ليبيا مقارنة بعددهم في بداية العام، حيث تم تسجيل وجود 635,051 مهاجر في يناير 2022

في 10 يناير، قال المجلس النرويجي للاجئين ولجنة الإنقاذ الدولية في بيان مشترك إن السلطات الليبية اعتقلت أكثر من 600 مهاجر ولاجئ، بينما كانوا يخيمون خارج مركز سابق للمساعدات الإنسانية في العاصمة طرابلس. وقالت المنظمتان إن بعض اللاجئين أصيبوا خلال اعتقالهم، وإن أحدهم أصيب بالرصاص الحي. وقامت السلطات باستخدام القوة المفرطة في يناير الماضي لفض اعتصام لعدد كبير من المهاجرين واللاجئين أمام مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العاصمة طرابلس. شارك في الاعتصام نحو 2000 شخص، وذلك وفقًا للمعلومات الواردة من مؤسسة بلادي لحقوق الإنسان. وقد أكدت بلادي أن السلطات الليبية احتجزت النساء والأطفال خلال فض الاعتصام، وقامت بنقلهم إلى مركز احتجاز عين زارة التابع لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية. 

ووفقًا للمعلومات الواردة في تقرير صادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، نفذت قوات خفر السواحل الليبية، خلال الشهور الخمسة الأولى من 2022، 73 عملية اعتراض للمهاجرين واللاجئين تمكنت خلالها من إعادة 6325 مهاجرًا قسرًا إلى ليبيا. جدير بالذكر هنا، أن مذكرة التفاهم الإيطالية-الليبية، التي تم توقيعها قبل أكثر من خمس سنوات، تُشكّل غطاء لاستمرار أعمال الاستغلال والاستعباد والعنف بحق المهاجرين عبر عرقلة حركة مغادرتهم إلى أوروبا وإعادتهم قسرًا إلى الأراضي الليبية.

وفي أكتوبر 2022، أصدرت مفوضيّة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تقريرًا يشير إلى أنه “غالبًا ما يُجبر المهاجرون على قبول المساعدة على العودة هربًا من ظروف الاحتجاز التعسفية والتهديد بالتعذيب وسوء المعاملة والعنف الجنسي والاختفاء القسري والابتزاز، وما إلى ذلك من انتهاكات وتجاوزات لحقوق الإنسان. وقد ولّدت هذه الظروف مجتمعةً بيئة قسرية غالبًا ما تتعارض مع حرية الاختيار”. وأكد التقرير أن العديد من المهاجرين، لا سيما الموجودين في مراكز الاحتجاز، غير قادرين على اتخاذ قرار طوعي حقيقي بالعودة وفقًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك مبدأ الموافقة الحرة والمسبقة والمستنيرة. 

ونتيجة للظروف غير الإنسانية التي يعاني منها المهاجرون في مراكز الاحتجاز، عُثر خلال يونيو الماضي على شاب سوداني يدعى محمد عبد العزيز ويبلغ من العمر 19 عامًا مشنوقًا داخل زنزانته في مركز احتجاز عين زارة. وكان المهاجر السوداني من المشاركين في الاعتصام أمام مقر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وكان ممن تعرضوا للاعتداء خلال فض الاعتصام قبل نقله إلى مركز الاحتجاز. ووفقًا لما وردنا من مؤسسة بلادي، شهد مركز عين زارة في 20 إبريل إطلاق النار على مهاجر يُعتقد أنه من النيجر، ولا تتوافر معلومات عن حالته الصحية. كما أفادت تقارير أخرى بأن مركز احتجاز عين زارة يشهد أيضًا، من ضمن الانتهاكات العديدة، استغلال المهاجرين وإجبارهم على العمل قسرًا. 

وبينما يتمتع المتجرون بالبشر ومنتهكو حقوق المهاجرين واللاجئين في ليبيا بالإفلات من العقاب، نتيجة عدم توافر الإرادة السياسية للسلطات الليبية لإنهاء معاناة المهاجرين واللاجئين، فضلا عن تواطؤ وتورط الأجهزة الأمنية والجماعات المسلحة ذات النفوذ القوي في البلاد؛ فإن بعض المساعي في أوروبا لمحاسبة المتجرين بالبشر ومنتهكي حقوق المهاجرين تؤتي ثمارها في بعض الأحيان. ففي فبراير 2022، أصدرت المحكمة الابتدائية في باليرمو حكمًا يقضي بسجن شخصين من بنجلاديش لمدة 20 عامًا، لأنهما قاما باحتجاز وتعذيب مهاجرين في زوارة. 

في تقريرها الصادر في مارس 2022، أكدت البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا على الخلاصة التي توصل إليها تقريرها الأول الصادر العام الماضي، وهي أن المهاجرين في ليبيا يتعرضون لانتهاكات قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية. ووثقت البعثة استمرار تعرض المهاجرين للقتل والتعذيب والأفعال غير الإنسانية والاغتصاب والاضطهاد والاسترقاق، وذلك من قِبَل بعض سلطات الدولة والجماعات المسلحة والمتجرين بالبشر. كما وثقت البعثة اعتراض خفر السواحل الليبي لآلاف الأشخاص، وإعادتهم قسرًا إلى ليبيا، واحتجازهم تعسفيًا في ظروف غير إنسانية. 

كما أشارت البعثة في تقريرها إلى تلقيها معلومات مثيرة للقلق بشأن بني الوليد الذي يُعَدُّ مركزًا للاتجار بالبشر يقع على بعد 130 كيلو مترا جنوب شرق مصراتة، بشأن تعرض المهاجرين للاحتجاز والقتل والتعذيب والاغتصاب، كما نقل التقرير ما يردده المهاجرون عن وجود مقابر جماعية في بني الوليد. كما ذكرت البعثة انتهاكات مروعة ترتكب بحق المهاجرات في بني الوليد “فهناك يشعلون النار في أثداء النساء و َمهابِلهن”.

ووفقًا للمعلومات التي وردتنا من مؤسسة بلادي لحقوق الإنسان، تم إغلاق بعض مراكز الاحتجاز خلال 2022، مثل مراكز درج وبئر الغنم والمحمية وصبراتة. وحسب مؤسسة بلادي، فإن إغلاق مراكز الاحتجاز لم يقف حائلا دون الاستمرار في احتجاز واعتقال المهاجرين في سجون أخرى، مثل سجن جندوبة التابع لوزارة العدل في مدينة غريان وسجون أخرى في مدينة غدامس. كما قام رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة في مارس الماضي بافتتاح مركز احتجاز خاص بالمهاجرين العرب.

وقد أكدت مؤسسة بلادي لحقوق الإنسان أن بعض المراكز شهدت خلال الشهور الأخيرة انخفاضًا في أعداد المحتجزين فيها، مثل مراكز احتجاز عين زارة وطريق السكة. هذا فيما تواصلت حملات مداهمة منازل المهاجرين واللاجئين، واعتقالهم ونقلهم إلى مراكز الاحتجاز، مثل حملة المداهمة التي نفذها مكتب مباحث الجوازات (فرع زوارة) في إبريل الماضي، وتم خلالها اعتقال ما يزيد عن 300 مهاجر ونقلهم إلى مراكز الاحتجاز في طرابلس. 

وفي تقريرهما الصادر في 28 يونيو، رصدت كلا من الشبكة الليبية لمناهضة التعذيب والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب استمرار الطرد القسري والترحيل الجماعي للمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء، حيث بلغ عدد المطرودين قسرًا من يناير إلى يونيو 2022 نحو 500 مهاجر. وقد وثق التقرير ما وصفه بعمليات ممنهجة للطرد بإجراءات موجزة من مراكز احتجاز شحات والبيضاء وقنفودة في الكفرة. 

كما وثقت كلٌ من مؤسسة بلادي لحقوق الإنسان والمنظمة المستقلة لحقوق الإنسان زيادة عدد السوريين الذين وصلوا إلى ليبيا منذ مطلع مايو 2022 بهدف عبور المتوسط إلى أوروبا، وقد وثقت المنظمتان في يونيو 2022 إعادة مركب إلى ساحل طبرق كان على متنه نحو 300 سوري. فضلا عن ذلك رصدت المنظمتان أماكن الاحتجاز التي يُحتجز فيها القاصرون مع البالغين، وتشمل مراكز احتجاز: باب الزيتون، وقنفودة بنغازي، وعين زارة في العاصمة طرابلس، والمايا ورشفانة، ومركز الفئات الضعيفة (القاصرين) شارع الزاوية، ومركز احتجاز “أبو سليم” الخاص بالنساء فقط، والبحث الجنائي -سبها، ومركز احتجاز المهاجرين طريق المطار سبها.

لا إرادة سياسية لحل أزمة النازحين 

لا يزال عشرات الآلاف من النازحين في ليبيا يطاردون الأمل في إنهاء محنتهم، نتيجة استمرار السياسات والممارسات الممنهجة التي تُفاقم من معاناة النازحين، بسبب غياب الإرادة السياسية لكافة الحكومات المتعاقبة منذ الثورة لوقف نزيف النزوح وتشريد المواطنين في كافة أنحاء البلاد ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة بحق النازحين.

في منتصف يونيو 2022، سجلت الأمم المتحدة عودة 10,000 نازح إلى ديارهم الأصلية خلال العام، فيما يبلغ العدد الإجمالي للنازحين داخليا حتى ذلك الحين نحو 159,000. من بين أولئك النازحين نحو 40 ألف شخص من تاورغاء بدأت مأساتهم في 2011. وفي مايو الماضي، نفذ جهاز دعم الاستقرار عملية إخلاء قسري للنازحين من أهالي تاورغاء المقيمين في مخيم الفلاح 1 ومخيم الفلاح 2 في وسط العاصمة طرابلس؛ وهو الأمر الذي نجم عنه تشريد نحو 530 أسرة، إذ كان يقطن المخيم الأول نحو 360 أسرة والثاني نحو 170 أسرة. 

جدير بالذكر أنه بالرغم من توقيع اتفاق للعودة وللتعويضات في مارس 2017، وإصدار المجلس الرئاسي في ديسمبر من نفس العام قرارًا يقضي بالشروع في عودة أهالي تاورغاء المشردين إلى مدينتهم مع بداية فبراير 2018؛ فإن الأهالي الذين حاولوا العودة إلى ديارهم آنذاك مُنعوا من ذلك. وبعد مرور أكثر من 5 سنوات على اتفاق العودة والتعويضات و4 سنوات على قرار فتح المدينة للعودة، لم يحصل الأهالي على التعويضات ولا تزال المدينة تفتقر إلى الخدمات الأساسية التي يجب توافرها ليتمكن السُكان من الحياة فيها؛ وهو ما يجعل العودة إلى تاورغاء خيارًا مُرًا للأهالي الذين يريدون العودة إلى الديار، ولكنهم لا يتمكنون من ذلك بسبب إحجام السلطات عن توفير الخدمات الأساسية بالمدينة.

ووفقًا للمنظمة الدولية للهجرة بلغ عدد النازحين في ليبيا مع نهاية يناير 2022 نحو 168 ألف نازح. وقد تركز النازحون في شرق ليبيا في مناطق بنغازي وأجدابيا ودرنة، فيما تركز النازحون في غرب البلاد في مناطق مصراتة وسرت، ويتركز النازحون في جنوب ليبيا في مناطق مرزق وأوباري والجفرة. وقد أشارت المنظمة الدولية للهجرة إلى أن الاحتياجات الإنسانية للنازحين في تلك المناطق تتراوح بين توفير السكن والغذاء والخدمات الصحية. 

حرية التعبير والصحافة في خطر 

لا يزال الصحفيون في ليبيا مهددين بالإخفاء القسري وتعرضهم للاعتداء. على سبيل المثال، تعرضت مبروكة المسماري، مراسلة قناة 218 في بنغازي، للاعتداء بالضرب من قِبَل مجموعة من ثمانية أشخاص في 12 فبراير 2022. وتعرض مراسل قناة 218 علي الريفاوي للاختطاف في مدينة سرت في 26 مارس 2022 قبل أن يتم إطلاق سراحه في 5 يوليو 2022. وجدير بالذكر هنا أنه بعد اختطاف الريفاوي بنحو أسبوع، تم إطلاق سراح الصحفي والناشط الحقوقي ورئيس جمعية الهلال الأحمر في أجدابيا منصور عاطي بعد مرور 10 أشهر على اختطافه. وكانت المنظمة الليبية للإعلام المستقل قد رصدت في تقريرها السنوي، الصادر في مايو 2022، أربعة عشر انتهاكًا لحرية الصحافة في خمس مدن ليبية (سرت وطرابلس وبنغازي وصرمان وأجدابيا) بما في ذلك الإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي والاعتداء البدني. ووفقًا لتقرير المنظمة، شكلت النساء الصحفيات المعتدى عليهن نسبة 10% من إجمالي الانتهاكات ضد الصحفيين.

وفي أغسطس 2022، تعرض الصحفي محمد مسعود، مراسل قناتي “العربية” و”الحدث” للاعتداء البدني ومحاولة الخطف من مجموعة مسلحة، وذلك خلال قيامه بتغطية جلسة لمجلس النواب في مدينة طبرق شرق ليبيا.

ويعيش الصحفيون في ليبيا في ظل أجواء خطيرة نسبيا نتيجة التهديدات بالقتل والتعذيب والإخفاء القسري والاعتقال؛ وهو ما يؤدي إلى فرض رقابة ذاتية خشية التعرض للانتقام، كما أسفرت تلك الأجواء عن موجات من هروب العديد من الصحفيين الليبيين إلى خارج البلاد، طلبًا للأمان وسعيًا لممارسة عملهم دون الخوف من القتل والتعرض للاعتداءات المختلفة. ومؤخرًا أشارت تقارير إلى أن ما يزيد عن 80 صحفيًا قد فروا من ليبيا منذ 2014، وتحول بعض دول الجوار إلى منافٍ اختيارية لبعض الصحفيين الفارين.

علاوة على ذلك، وفي ظل المد السلفي المتشدد الذي تشهده البلاد، تواجه حرية التعبير والمعتقد خطرًا محدقًا في ليبيا، حيث أصدرت دائرة الجنايات الأولى بمحكمة استئناف مصراتة في 4 سبتمبر 2022 حكمًا بإعدام المواطن الليبي ضياء الدين أحمد مفتاح بلاعو “لإصراره على الردة عن دين الإسلام”، ورفضه “التوبة” و”التخلي عن أفكاره”. ووفقًا لتقارير صحفية، بدأت محاكمة بلاعو منذ 2019. 

و27 سبتمبر 2022، أصدر مجلس النواب القانون رقم 5 لسنة 2022 بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية، ويمثل القانون تهديدًا خطيرًا لحرية التعبير والرأي والحق في حرية التجمع السلمي بالإضافة إلى الحق في الخصوصية وحماية المعطيات الشخصية. كما يقنن هذا النص الرقابة الشاملة للسلطة التنفيذية على الفضاء الرقمي دون إذن قضائي مع إمكانية حجب المواقع والمحتوى. وقد تجاهل مجلس النواب الليبي مطالبة منظمات المجتمع المدني وأربعة من المقررين الخواص للأمم المتحدة بسحب القانون وعدم تطبيقه؛ وذلك نظرًا لتعارضه مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والتزامات ليبيا الدولية، إضافة لغياب مبدأ الحوار والتشارك مع مختلف الفاعلين وأصحاب المصلحة عند صياغته. 

تزايد العنف ضد النساء

ما زالت المرأة الليبية تواجه عسفًا من المجتمع المُشبع بثقافة تنتهك حق النساء في المساواة وتحط من شأنهن؛ نتيجة التقاليد الاجتماعية والدينية الموروثة. وبينما كانت المرأة الليبية تسعى خلال مشاركتها في الثورة إلى انتزاع حقها في المساواة والمشاركة السياسية؛ فإنها لا تزال أسيرة الكفاح من أجل الحصول على الحق في التنقل والسفر والعمل وغير ذلك، في ظل سياق مجتمعي تهيمن عليه الفتاوى الدينية المتشددة التي يتخذ أصحابها موقفًا عدائيًا من المساواة بين النساء والرجال. 

كما تشهد البلاد تزايدًا في معدلات العنف ضد النساء. وخلال السنوات الأخيرة رصدت منظمات حقوق الإنسان الليبية تعرض بعض الناشطات البارزات، اللواتي اتخذن مواقف ناقدة للسلطات وللمجموعات المسلحة التابعة لها، للاعتداءات العنيفة. مثلما شهدنا في حادثة اغتيال المحامية والناشطة الحقوقية سلوى بوقعيقيص، بالإضافة إلى الإخفاء القسري لسهام سرقيوة الحقوقية وعضوة مجلس النواب، واغتيال المحامية والناشطة السياسية حنان البرعصي. وفيما ظلت كل حوادث العنف والاغتيال السياسي للناشطات الليبيات دون محاسبة في ظل تفاقم ظاهرة الإفلات من العقاب، فإن العام الماضي شهد ارتفاعًا مقلقًا في حوادث العنف ضد النساء في ليبيا. وأكد بيان صادر عن المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد المرأة، ريم السالم، عقب زيارتها ليبيا في ديسمبر 2022، ازدياد “مستويات العنف واسعة النطاق والممنهجة والخطيرة التي تواجهها النساء والفتيات في ليبيا”. وأشارت السالم إلى أن زيارتها واجهت عقبات تشمل تأخير دخولها إلى ليبيا وعدم السماح لها بزيارة السجون ومراكز الاحتجاز التي تُحتجز فيها النساء والفتيات، كما تم منعها من مغادرة مطار بنغازي للقيام بالأنشطة التي خططت لها في شرق ليبيا. 

وفي ظل هذا السياق، أخفق مجلس النواب الليبي في إصدار قانون مكافحة العنف ضد النساء الذي أعدَّه مجموعة من الخبراء، منهم عدد من الناشطات والحقوقيات والباحثات الليبيات. 

وتواجه جهود دعم المساواة وتعزيز حقوق النساء في ليبيا تحديات متعددة، من بينها السلطات الدينية وبعض النساء اللواتي يشغلن مناصب في مؤسسات تابعة للدولة. على سبيل المثال، قام مجلس البحوث والدراسات الشرعية بدار الإفتاء الليبية في أكتوبر 2021 بإصدار بيان‏ يطالب الحكومة الليبية بالانسحاب من مذكرة التفاهم المتعلقة باﺗﻔﺎﻗﻴﺔ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ أﺷﻜﺎل اﻟﺘﻤﻴﻴ ضد اﻟﻤأة. وكانت وزيرة الدولة لشؤون المرأة، حورية طرمال، قد تعرضت لانتقادات واسعة بسبب التوقيع على الاتفاقية. وقد اضطرت طرمال حينها إلى تبرير التوقيع والتأكيد للرأي العام أن “التوقيع تم بشرط عدم المساس بالقوانين الوطنية الليبية، وتحفظات ليبيا السابقة حول اتفاقية سيداو”. وقد تم تشكيل لجنتين للتحقيق مع طرمال، إحداهما برئاسة وزيرة العدل والأخرى مشكلة من عضوات بمجلس النواب. وفي أكتوبر 2022، أصدرت محكمة استئناف طرابلس حكمها بإلغاء التوقيع على المذكرة. جدير بالذكر في هذا السياق أن رئيسة مفوضية المجتمع المدني انتصار القليب شاركت في التحريض ضد طرمال، بالإضافة إلى التحريض ضد عدد من النسويات الليبيات اللواتي تُتهمهن بالإلحاد. وتعد القليب من أشرس المعارضين للاتفاقية، هذا فضلا عن سجلها السيئ في التعامل مع منظمات حقوق الإنسان في ليبيا.

 

أزمة جنسية أبناء الليبيات المتزوجات من غير الليبيين

من أبرز القضايا الحقوقية المثيرة للجدل في ليبيا قضية حقوق أبناء الليبيات المتزوجات من غير الليبيين، حيث تقاوم البيئة التشريعية الليبية تعزيز المساواة بين النساء والرجال بالنسبة إلى الحق في نقل الجنسية للأطفال، ضمن حقوق أخرى. فبالرغم من أن المادة 6 من الإعلان الدستوري تضمن المساواة بين الجنسين أمام القانون، كما أن المادة 11 من القانون رقم 24 لسنة 2010 بشأن الجنسية تجيز منح أولاد المواطنات الليبيات المتزوجات من أجانب الجنسية الليبية – فإنها تركت تحديد التدابير اللازمة لتنفيذ ذلك إلى اللائحة التنفيذية التي لم تصدر حتى الآن. وبالرغم من اعتراف إحدى مسودات مشروع الدستور، الصادرة في إبريل 2016، بحق المرأة في منح الجنسية الليبية لأبنائها – فإن الضغوط أدت في نهاية المطاف إلى حذف الهيئة التأسيسية لتلك الإشارة في المشروع النهائي للدستور الصادر في 2017. 

جدير بالذكر أن وثيقة “مبادئ أساسية لخارطة طريق قائمة على احترام حقوق الإنسان” الصادرة في 7 نوفمبر 2020، قد نصت على وجوب أن يكون للمرأة الليبية “الحق في منح الجنسية الليبية لأطفالها في حال كان زوجها غير ليبي بما يتماشى مع مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وبما يتفق مع المعاهدات الدولية ذات العلاقة”. 

وفي أكتوبر 2022، أصدرت حكومة الوحدة الوطنية القرار رقم ٢٠٩ لسنة ٢٠٢٢، وينص في المادة الأولى على تمتع أبناء الليبيات المتزوجات بأجانب بكافة الحقوق التي يتمتع بها المواطن الليبي؛ إلا أن القرار لا يعد حلا للأزمة، ولا يعطي النساء الليبيات حق منح الجنسية لأبنائهن وبناتهن؛ إذ يتطلب الأمر تعديل اللائحة التنفيذية لقانون الجنسية بما يؤدي إلى الإقرار بحق المساواة في القانون ما بين المواطنين والمواطنات في منح الجنسية للأبناء، وأن يكون هذا التعديل خطوة في طريق تعديل قانون الجنسية من قبل السلطة التشريعية بما يتوافق مع الإعلان الدستوري الذي نص على الحق في المساواة في القانون دون تمييز، وتنفيذا لالتزامات الدولة الليبية.

 

1 عدد الردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *