مركز مدافع ينشر ورقة بحثية : العدالة الانتقالية في ليبيا، مسارات مرتبكة

يتعلق هذا المقال بالعدالة الانتقالية في ليبيا. وهو يُظهر أنه على الرغم من جدّة مفهومها هناك – وإن قصر البعض الجدّة على المصطلح- فإن البلاد قد شهدت زخمًا كبيرًا في سن تشريعات عدل-انتقالية، ولكن هذا الزخم لم يقترن بزخم في التطبيق، بالإضافة إلى قصور شاب هذا التشريع، وربما كان هو سبب غياب الزخم عن التطبيق. وفي فترات لاحقة، لقيت العدالة الانتقالية، مفهومًا وتشريعًا، تشكيكًا في جدواها ومكنة تطبيقها، وظهرت دعوات لاستبعادها، كلًا أو جزءًا، دائمًا أو مؤقتًا؛ تحقيقًا للمصالحة الوطنية. وقد كان للسياق السياسي مذ 2011 أثر كبير في ظهور هذه الدعوات وتطورها، كما كان له أيضًا أثره فيما قُّدِمَ من استجابات. 

ويجادل المقال بأن علاقة العدالة الانتقالية بالمصالحة الوطنية ليست متنافية، أي أنه لا يلزم من الأخذ بإحداها نفي الأخرى، بل العكس؛ أي أنه يلزم لتحقيق مصالحة وطنية مستدامة الأخذ بالعدالة الانتقالية. ويجادل أيضًا بأنه، على الرغم من جسامة التحديات، ما زالت هناك فرص لتحقيق العدالة الانتقالية.

ويستند المقال إلى بحث انخرط فيه الكاتب في إطار مشروع بحثي حول “دور القانون في المصالحة الوطنية في ليبيا”. وتمثل العدالة الانتقالية في هذا المشروع واحدة من خمسة شواغل رئيسة، تشكل خلافات الليبيين حولها عوائق في طريق المصالحة الوطنية. وقد ركّز المشروع على بحث دور القانون في تجاوز هذه العوائق، أو مفاقمتها. ومقاربة المقال، كما هي مقاربة المشروع البحثي، اجتماعية-قانونية، لا تقنع بالنظر إلى التشريعات، ولا إلى نصوصها، بل تهتم بقواعد تنظيم السلوك الأخرى، دينية وعرفية، وتسعى إلى دراسة القواعد حال حركتها. ولهذه الغاية، فإنها تستخدم طرق بحث مثل الملاحظة والمقابلة ومجموعات التركيز. ويستند المقال أيضًا إلى خبرة جناها الكاتب من عضويته في لجان أعدت مشاريع قوانين وقرارات تتعلق بالعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية. فقد ساهم الكاتب في صياغة وتعديل قرار المجلس الرئاسي رقم 5/2021 بإنشاء مفوضية المصالحة الوطنية، وصياغة مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية بناء على طلب هذا المجلس أيضًا.

والمقال يتناول سبع قضايا عدل-انتقالية رئيسة، فيرصد إشكالاتها، ويقوّم ما حظيت به من استجابات تشريعية. وهذه القضايا تتدرج من التشكيك في فكرة العدالة الانتقالية ذاتها إلى التشكيك في مكنة تطبيقها؛ ومن توسعة نطاقها الزمني والموضوعي إلى تضييقه، ومن تأكيد محورية كشف حقيقة مظالمها إلى الدعوة إلى تناسيها؛ ومن تمسك بمساءلة مرتكبي هذه المظالم إلى مديح العفو عنهم؛ ومن حضٍ على إصلاح المؤسسات التي تورطت في هذه المظالم، أو لم تَحُل، كما ينبغي لها، دون وقوعها، إلى حصر لهذا الإصلاح في استهداف أشخاص تبوؤا مناصب في هذه المؤسسات، وإن لم يثبت تورطهم فيما وقع من مظالم؛ ومن تركيز على التعويض النقدي بوصفه أجدى سبل جبر الضرر إلى إبراز أهمية السبل الأخرى ودعوة إلى مراعاة محدودية قدرة الدولة على التعويض؛ ومن حصرٍ لآليات العدالة الانتقالية في القضاء الوطني، إلى تسويغ دور لآليات دولية. وانطلاقًا من أثر السياق السياسي في ليبيا ما بعد فبراير 2011 في ظهور الإشكالات، من ناحية، وفي معالجتها تشريعيًا، من ناحية أخرى، فإن المقال يقدم بعرض لهذا السياق.

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *