ندوة رقمية تناقش معاناة الفئات المُهمّشة في ليبيا، بمشاركة باحثين ودبلوماسيين ومنظمات المجتمع المدني

,

نظم مركز مدافع لحقوق الإنسان، الخميس 10 ديسمبر 2020، ندوة بحثية رقمية بمناسبة باليوم العالمي لحقوق الإنسان، ويرتكز احتفال هذا العام على محاولة العمل على إنهاء التمييز من أي نوع، والتصدي لغياب المساواة، وتشجيع المشاركة والتضامن، وتعزيز التنمية المستدامة، والعمل على أن تحتل حقوق الإنسان مكانةً مركزيةً في عالم ما بعد كوفيد-19. وشارك في الندوة عدد من الباحثين والأكاديميين  والمدافعين عن حقوق الإنسان من عدة دول عربية، بالإضافة إلى سفير هولندا في ليبيا، وممثلين لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.

كتاب جديد حول الفئات المهمشة ليبيا

 أعلنت إدارة مركز مدافع لحقوق الانسان في افتتاح الندوة الرقمية، أن المركز قد نشر سابقا ورقة بحثية عن المهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا واستكمالا لاهتمام المركز بالفئات المهمشة انتهى المركز من إعداد كتاب “دراسات بحثية حول الفئات المهمشة في ليبيا”، ويضم الكتاب ثلاثة دراسات حول أوضاع النساء والأشخاص ذوي الإعاقة والطفل، وقد ساهم في إعدادها كل من الدكتورة الزهراء لنقي، والدكتورة جازية شعيتير والباحث رجب سعد.

في مداخلته الافتتاحية، أشار الأستاذ أحمد كرعود، عضو مجلس إدارة لمركز مدافع، إلى أهميّة البحث المنجز حول الفئات الثلاثة، التي تُعد الأكثر تضررا من التهميش في ليبيا. وأكد في مداخلته أنّ “أهميّة البحث تكمنُ في عرض الإشكاليات والتحديات التشريعيّة وكيفيّة تعزيز حمايتها، كما أنّه يعمل على تحليل التشريعات على ضوء المعايير الدوليّة، ويقدم مقترحات وتوصيات لتجاوز هذه الوضعيّة”.

واعتبر كرعود أن “المرأة، ورغم أنّها كانت أحد الفاعلين المُهمين في الثورة الليبيّة، إلا أنها لا زالت تعاني وضعا سيئا، وأنها ما تزال أسيرة الكفاح من أجل الحصول على الحق في التنقل والسفر والعمل”، مشددا على “أنّ أكبر ما يثير قلقنا في مركز مدافع لحقوق الإنسان، أنّ الكثير من النساء الناشطات البارزات تعرضن للكثير من الانتهاكات والاعتداءات سواء من السلطات أو الميليشيات”.

 وأوضح  كرعود أن أعداد ذوي الإعاقة في تزايد مستمر نتيجة الأعمال العدائيّة، ويواجهون الكثير من المشاكل في التعليم والتأهيل والرعاية الصحيّة. فيما يعيش الأطفال وضعية صعبة للغاية في ظل الانقسامات والحروب.

وأشار السفير الهولندي السيد لارس توميرس  في مداخلته الافتتاحية إلى  أهميّة اليوم العالمي لحقوق الإنسان،  معتبرا  أن دراسة حالة حقوق الإنسان في ليبيا، تظهر مدى سوء الوضع هناك. وأضاف أنه “رغم وقف إطلاق النار في أكتوبر وجائحة كورونا، لا زال هناك تحديات أخرى وهذه التحديات أكبر بالنسبة للفئات الثلاثة مثل النساء والأطفال وذوي الإعاقة”. وشدد السيد توميرس على أنه “دون حقوق الإنسان لا يمكن تحقيق الاستقرار، وتحديداً في ليبيا”. وأكد على معاناة النساء الليبيات من التمييز والحرمان من الحق في المساواة بين الجنسين مضيفا أن الأشخاص ذوو الإعاقة في ليبيا يعانون من الكثير من العراقيل على مستوى الرعاية الصحيّة والأمن الاجتماعي.  ودعا السيد توميرس إلى توفير الخدمات النفسيّة والاجتماعية في ليبيا، والحد من انتشار ثقافة العنف.

 كما أكد  السيد توميرس على ما يتعرض له المدافعين الليبيين من اهانة وخوف وإن واحدة من المشاكل ذات الصلة التي يواجهها المدافعون هي الشعور بأن كل من يخيفهم يفلت من العقاب. مؤكدا على تشجيع اعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي علي عدم الخضوع للضغوط السياسية ، أو للمكافآت المالية أو المادية و البقاء ملتزمين بمصلحة ليبيا. 

  حقوق المرأة في ليبيا وحركة التشريعات والسياسات

قالت الدكتورة الزهراء لنقي، المُساهمة في الكتاب الجديد بدراسة حول “أنماط واتجاهات انتهاكات حقوق المرأة في ليبيا ومعالم حركة التشريعات والسياسات ذات الصلة”، إنّها عملت على الاشتغال على دراسة تحليلية إجتماعيّة تاريخيّة سياسيّة، موضحة الأنماط والاتجاهات للانتهاكات التي تعرضت فيها النساء خلال الفترة الإنتقالية وأيضًا قبلها منذ 40 عامًا في ليبيا.

وقامت لنقي بلقاءات ومقابلات واتصالات، مع عدد الفاعلات سواء كن سجنيات في وقت عهد القذافي أو من تولين المناصب في عهد القذافي، أو من تعرضن  لانتهاكات في هذه المرحلة. وقامت بتفسير طبيعة العلاقة بين التدابير التشريعية والسياسات الاقتصادية الاجتماعية الثقافية.

وتناولت لنقي أيضًا الواقع الحقوقي قبل نشأة دولة الاستقلال، ومرحلة دولة الإستقلال ونظام الملكيّة الدستوريّة مع تقييم مسألة الحقوق والحريّات لا سيما حقوق المرأة. وعن المرحلة الأخيرة، والتي تحتوي على كثير من الانتهاكات السياسية والإقتصاديّة والمدنية،  وأكدت الباحثة أنها تتسم بعدم المشاركة والتهميش، وإتخاذ تدابير تراجعيّة ضد النساء، بجانب انتهاكات العنف الجنسي المرتبط بالنزاع وانتهاكات حق الصحة، وكيفية تعامل الدولة مع ملف المُعنفات، وعدم توفير علاج للنساء المُعنفات.

وطالبت لنقي باستحداث اليات تنفيذية ترصد الانتهاكات، ودعم مشاركة وتمكين وحماية النساء والفتيات، وتعزيز مشاركة النساء في المفاوضات،  ثم العودة الآمنة لجميع النازحات، وتخصيص ميزانية سنوية لدعم مشاريع وبرامج تمكين المرأة، واعادة التأهيل الصحية والعقلية لضحايا العنف، وتحسين خدمات المساعدة القانونية، وحماية المهاجرات.

ذوي الإعاقة: واقع مر وتحديات صعبة

ثم عرضت  الدكتورة جازية شعيتر  في إطار مداخلة حول دراستها “الحماية القانونية لذوي الإعاقة بين الوطنية والدولية”، احصائيّات حول عدد ذوي الإحتياجات الخاصة في ليبيا حيث  وصل عددهم عام 2008 إلى 73 ألف، وعام 2012 إلى 91 ألف، وفي عام 2017 أصبح عددهم 100 ألف، ليصل في نهاية 2018  إلى 120 ألف، وهذا ما يوضح الارتفاع المستمر لهذه الفئة.

وقالت شعيتير أن أبرز التحديات هو ما يتعلق بالفجوة الكبيرة ما بين المعاهدات التي وقعت عليها الدولة وما بين أرض الواقع الذي يحملُ الكثير من المشاكل والكثير من التمييز تجاه هذه الفئة، بجانب الصراع المسلح.

وطالبت شعيتر بتضمين دستوري لحقوق ذوي الإحتياجات الخاصة، مؤكدة على أهميّة تضمين حقوق ذوي الاعاقة في القوانين الانتخابية وقانون الحكم المحلي، واعتماد استراتيجيّة متكاملة بين الوزارات الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعيّة تحديداً بحيث تحترم حقوق ذوي الإعاقة.

الأطفال يواجهون الأهوال في ليبيا

أوضح الباحث والمستشار في حقوق الإنسان رجب سعد، خلال  كلمته حول الورقة البحثية التي أنجزها في الكتاب الجديد، أن الأطفال في ليبيا يعانون من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ارتكبتها أطراف النزاع والقوات الموالية لها، وتعرض الكثير منهم للعنف والعقوبات البدنية وللاستغلال الجنسي دون محاسبة.

استعرض الباحث في كلمته قانون حماية الطفولة وغيره من المواد القانونية ذات الصلة؛ ليستكشف مدى تمتع الطفل في تشريعات ليبيا بالحق في الجنسية والحماية من التمييز والعنف والاستغلال الجنسي، كما سلّط الضوء على العدالة الجنائية للأحداث وحقوق الأطفال المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء. كما أشار إلى استمرار معاناة الأطفال الذين يحتاجون إلى تلقي الدعم والرعاية الصحية ، بينما أدى النزاع المسلح إلى موجات متلاحقة من النزوح الداخلي للمدنيين، بالإضافة إلى وقوع عدد كبير من القتلى والجرحى، ومن بينهم الأطفال. هذا فضلا عن فضلا عن تورط أطراف النزاع في تجنيد الأطفال والزج بهم في أتون الحرب. وأكد سعد أنه في ظل تفشي جائحة كوفيد-19 تفاقمت أزمة حقوق الطفل في ليبيا؛ إذ أصبحوا أكثر عرضة للخطر في ظل تدهور الوضع الإنساني.

وأكد سعد أنه بالرغم من توقيع ليبيا على اتفاقية حقوق الطفل، وعدد آخر من الاتفاقيات والمواثيق ذات الصلة باحترام وحماية والوفاء بحقوق الطفل؛ نجد أن المنظومة التشريعية الليبية لا تزال تعاني من وجود ثغرات خطيرة فيما يتعلق بتوفير الضمانات اللازمة لحماية حقوق الطفل والامتثال للالتزامات الدولية في هذا الصدد. وشدد على ضرورة أن تحرص كافة السلطات الليبية في الشرق والغرب على ألا تؤدي الانقسامات السياسية لمزيد من إهدار حقوق الطفل، فضلا عن استمرار سقوط ضحايا من المدنيين والأطفال.

وفي الجلسة الثانية من الندوة، قام المركز  بمناقشة التحديات والقيود القانونية والأمنية التي يتعرض لها المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان في ليبيا. وفي هذا الإطار، طالب المركز بوقف انتشار الجماعات المسلحة، وإصلاح منظومة القضاء، وإعادة النظر في التشريعات، وسن قانون الجمعيات وفق المعايير الدولية، وحق الحصول على المعلومات، ووقف التحريض ضد المدافعين، ووقف استخدام الفتاوى ضد المدافعين وتفعيل إعلان الأمم المتحدة الخاصة بالمدافعين، وتوحيد مجلسي إدارة مفوضية المجتمع المدني، والتحقيق والمحاسبة، ووقف انتشار الجماعات المسلحة.

جدير بالذكر أن المركز أعلن، خلال الندوة، عن إعداده فيلمًا وثائقيًا قصيرًا يتناول المصاعب التي تواجهها الفئات المُهمّشة في ليبيا في ظل تفشي جائحة كوفيد-19، ويمكن مشاهدة الفيلم هنا. وسوف ينشر المركز قريبا النص الكامل لكتابه حول الفئات المُهمّشة، باللغتين العربية والإنجليزية.

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *