رواق عربي : السلام والعدالة بالمرحلة الانتقالية في ليبيا
العدالة جزء لا يتجزأ من عملية الانتخابات وبناء الدستور والاستقرار والأمن وتوزيع الموارد.
رواق عربي
على الرغم من مرور ما يقرب من عقد من الزمان على الانتفاضة التي أطاحت بالقذافي، إلا أن ليبيا لا تزال تمر بمرحلة انتقالية محفوفة بالمخاطر لم يظهر فيها سلام ولا عدالة. منذ الإطاحة بالزعيم الليبي السابق معمر القذافي في عام 2011، تنافست سلسلة من الحكومات والميليشيات –باستخدام السلاح في كثير من الأحيان– للسيطرة السياسية والاقتصادية على البلاد. في يونيو 2011 تصدرت المساءلة الجنائية قضايا الصراع الليبي، عندما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر بالقبض على القذافي وابنه سيف الإسلام ورئيس المخابرات السابق عبد الله السنوسي.[1]
منذ ذلك الحين، صدرت أوامر اعتقال إضافية من المحكمة الجنائية الدولية لاثنين من قادة الجيش، وهم التهامي محمد خالد ومحمود الورفلي.[2] كما تم مقاضاة 35 مسئولًا من نظام القذافي محليًا على مدار عامي 2013 و2014، وهو ما مثل تحديًا مباشرًا لجهود المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة بعض هؤلاء الأفراد. علاوةً على ذلك، يُعتقد أن قانون العفو الذي أصدرته إحدى الحكومات الليبية أدى إلى إطلاق سراح سيف الإسلام القذافي في عام 2017.[3] وكنتيجة مباشرة لتلك الملاحقات القضائية المحلية والمبدئية، سرعان ما تلاشت إجراءات العدالة، خاصةً وأن البلاد تعاني من صرعات محلية ووطنية على السلطة.
بغض النظر عن الطفرة العرضية في نشاط المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بالوضع الليبي، فإن اعتبارات العدالة الجنائية ظلت غائبة إلى حد كبير عن محاولات تنظيم محادثات السلام في السنوات الأخيرة. والجدير بالذكر أن التقرير النهائي المرتقب للمسار التشاوري للملتقى الوطني الليبية يكرس أجزاء كبيرة منه للتأكيد على الحاجة إلى “المصالحة”، بينما نادرًا ما يذكر الحاجة إلى العدالة.[4] هذا على عكس عملية مؤتمر الحوار الوطني في اليمن، والتي تضمنت مجموعة عمل معنية بالعدالة الانتقالية، رغم أن توصياتها لم تؤخذ بعين الاعتبار بينما انزلقت البلاد إلى الحرب. التحديات الليبية تختلف تمامًا عن الوضع اليمني، إلا أن السياق اليمني يلقي الضوء على نقاط مقارنة مهمة تشير إلى التأثير المتضارب للعناصر الفاعلة الدولية والتي تزعزع الاستقرار أحيانًا، فضلًا عن العديد من المشاكل الداخلية التي تضعف احتمالات السلام والعدالة.
على سبيل المثال، في حين أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أحال الوضع الليبي إلى المحكمة الجنائية الدولية من خلال القرار 1970، إلا أنه لم يفعل ذلك في حالة اليمن. بدلًا من ذلك، توسط مجلس التعاون الخليجي –بدعم من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي– في اتفاقية انتقالية سمحت للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بالتنحي في مقابل حصوله على حصانة من المحاكمة.[5] بينما على النقيض، فشلت المحاولات الدولية في تمرير قرار من مجلس الأمن في عام 2014، بإحالة سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية؛ بسبب استخدام روسيا والصين لحق الفيتو.[6]
في حين أن هذه القرارات الثلاثة أسفرت عن نتائج متباينة في ليبيا واليمن وسوريا، إلا أنها كانت مدفوعة بالاعتبار السياسي نفسه، وهو ما إذا كان السعي لتحقيق السلام أو العدالة يناسب مصالح الدولة. وهو ما لا يعد مفاجأة، فهناك العديد من الأبحاث العلمية التي تناقش العلاقة بين القانون الجنائي الدولي والسلام من ناحية وبين اعتبارات العدالة من ناحية أخرى.[7] من المؤكد أن علاقات القوة في القانون الدولي تساعد في توضيح السبب وراء تبني الجهات الفاعلة المحلية والدولية أجندات مساءلة مختلفة ومتنافسة. في ليبيا واليمن وسوريا. يعد غياب السلام ولا العدالة في أعقاب الانتفاضات الجماهيرية المناهضة للحكومات في عام 2011. تأكيدًا على أن القرارات التي تهدف إلى طريقة تحقيق السلام دون العدالة، أو العكس، لم تكن مفيدة في حالات الانتقال المضطربة هذه.[8]
في أدبيات العدالة الانتقالية، هناك العديد من الأبحاث المفيدة حول سؤال السلام مقابل العدالة.[9] يستغل كل من الفاعلين المحليين والدوليين سردية العدالة كأداة سياسية لخدمة مصالح السلطة. ويتفاقم هذا جزئيًا بسبب الميل إلى التعامل مع السياسات المتعلقة بالعدالة كفئة سياسات مستقلة ومنفصلة بذاتها. يدلل هذا المقال على أن المرحلة الانتقالية المضطربة في ليبيا تتطلب منهجًا للعدالة يتداخل مع جميع مجالات السياسة المتضمنة في المسار التشاوري للملتقى الوطني الليبية؛ وذلك من أجل تعزيز احتمالات سلام أكثر استدامة.[10] تندمج العدالة والمصالحة في الواقع مع جميع مجالات السياسة. ولذلك، بدلًا من التعامل مع العدالة والمصالحة كمجالات سياسة منفصلة تعمل بالتوازي مع مجالات أخرى، كما هو الحال حاليًا في المسار التشاوري للملتقى الوطني الليبي، ينبغي إدماجهما رسميًا في مجالات السياسة الأربعة الأخرى، وهي الأولويات الوطنية والحكومية، والأمن والدفاع، وتوزيع السلطات والموارد، والعمليات الدستورية والانتخابية.[11]
لا يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل مفصل للعمليات التي تتعلق بالعدالة في ليبيا منذ عام 2011. بل يسعى المقال بدلًا من ذلك إلى تسليط الضوء على دور التشرذم السياسي على الصعيدين الدولي والمحلي في تعقيد قضايا السلام والعدالة، كما يقدم اقتراحات لنهج مهتم بالعدالة أقل عزلة وأكثر تكاملًا في العملية الانتقالية الشاملة في ليبيا. وهو ما يتطلب فهمًا موسعًا لفكرة “العدالة”، بحيث لا تقتصر على المحاكمات الجنائية التي قد تكون الدول الانتقالية غير مستعدة لتطبيقها بشكل فعال. عندما تُفهم العدالة على أنها متعددة الأوجه، فإنها لا تخدم فقط الأغراض التعويضية والتصالحية، ولكنها تعمل أيضًا على مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية.
يأخذ هذا المقال مصطلح “المصالحة”، الذي لا يزال غير محدد بشكل دقيق في تقرير المسار التشاوري للملتقى الوطني الليبي، كنقطة انطلاق لمعالجة هذه القضايا متعددة الأوجه. ويبدأ المقال بتفصيل كيفية تدخل الجهات الدولية الفاعلة في القرارات المتعلقة بالعدالة الجنائية في ليبيا. وتنبع أهمية هذه النقطة من كونها تسلط الضوء على الأسباب التي تجعل الجهات الدولية الفاعلة لا تهتم بالضرورة بتوحيد جهود وأهداف المساءلة الجنائية، وتأثير ذلك على مسارات السلام والعدالة. يلي ذلك تحليل لدور العدالة في المشاورات التي أسفرت عن تقرير المسار التشاوري للملتقى الوطني الليبي، والذي يؤسس للمؤتمر الوطني الفعلي الذي من المتوقع عقده في عام 2019. يختتم المقال بمناقشة إطار للسلام والعدالة في ليبيا، مع التركيز على العوامل التي ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار عندما تشرع ليبيا في الخطوة الحاسمة التالية في المسار التشاوري وفي عمليتها الانتقالية الأوسع.
لقراءة المقال التحليلي كاملا : رواق عربي
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!