التحديات التي تواجه المشاركة السياسية المتساوية للنساء الليبيات
04 مايو 2021
لميس بن عياد *[i]
الترجمة العربية : نافع الطشاني
كانَ للنساء الليبيات، منذُ اندلاع شرارة الثورة في عام 2011، دورٌ أساسي امتدَّ من قيادة الاحتجاجات وعمليات السلام إلى الدعوة إلى إقامة دولة ديمقراطية؛ فقد كن دائمًا في الصدارة في مفاوضات السلام. مع هذا، يبدو أن إجراء مزيد من البحث بشأن الإطار القانوني أمرٌ ضروريٌّ من أجل توثيق وضمان استمرارية مشاركة النساء في الحياة السياسية. فقد واصلت النساء الليبيات، خلال السنوات العشر الماضية، المشاركة في عمليات السلام غير الرسمية التي تدعو إلى المصالحة، والتحدث بجرأة في القضايا التي تشغل المواطنين. وقد قمن بذلك من خلال العمل المدني وتدشين الحملات، على الصعيدين الوطني والدولي؛ لتعزيز مشاركتهن الرسمية في دوائر صنع القرار.
وقد كشفت دراسة أجرتها المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية أنه قد “شارك ما يقرب من امرأة واحدة من كل خمس نساء ليبيات في احتجاج أو مظاهرة، بل إن مستويات المشاركة كانت أعلى في بعض أنحاء البلاد، مثل المنطقة الشرقية، حيث شاركت 50% من النساء في نشاط “للتعبير عن رأيهن” (IFES 2013: 19-25). وإن دل هذا العدد الكبير لمشاركة النساء النشطة في الاحتجاجات على شيء، فإنما يدل على معرفتهن واهتمامهن بالمساهمة في رسم الطريق لمجتمع أكثر شمولاً للجميع، غير أن كل ذلك لم يكن كافيًا، سواء لضمان المشاركة المتساوية للنساء في مراكز صنع القرار، أم في عمليات السلام الوطنية والمتعددة الجنسيات.
بشكل أساسي، يرجع استبعاد النساء من المشاركة المتساوية في الوصول لمراكز صنع القرار لسببين: انعدام الوعي الاجتماعي، والاستبعاد الممنهج الذي بدأ قبل الثورة بسنوات واستمر حتى يومنا هذا. ففي الانتخابات التي جرت في أوائل يناير 2012، أصدرت لجنة الانتخابات التابعة للمجلس الوطني الانتقالي مشروع قانون الانتخابات الذي خصص حصة 10 في المائة فقط للنساء. وقد انتقدت ناشطات هذا القانون بشدة، حيث احتججن بطرق عديدة إلى أن تم تنقيح القانون وتغييره وزيادة هذه الحصة إلى 30%. وهناك أيضًا المادة رقم (99) في مسودة الدستور التي تتجاهل صياغتها المرأة بوضوح، وتُمكّن الرجال وحدهم من الوصول لمنصب رئيس البلاد. وعلاوة على ذلك، ففي ملتقى الحوار السياسي الليبي، الذي انعقد في نوفمبر 2020، دعت الجهات الفاعلة في المجتمع المدني وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى ضمان تمثيل النساء في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، إلا أنه لا يزال هناك غياب لإطار قانوني واضح لضمان المشاركة المتساوية للنساء في السياسة على المدى الطويل.
ومن شأن توفير الإطار القانوني لضمان تكافؤ فرص النساء في اعتلاء مناصب صنع القرار- أن يؤدي إلى تشكيل أمرين رئيسين: الوعي الاجتماعي، والقوانين الشاملة للجنسين التي يمكن أن تحمي حق النساء في المشاركة السياسية وفي تولي مناصب قيادية على المدى الطويل. تشير السيدة خديجة البوعيشي (خبيرة سيادة القانون والجنسانية) إلى أنه “لا بد من وجود قوانين وسياسات واضحة لزيادة وتشجيع مشاركة المرأة. فعلى سبيل المثال، النص على حصص وترتيبات المرشحين والمرشحات رأسيا وأفقيا في القوائم الحزبية”. كما تقترح السيدة خديجة أننا “قد ننظر أيضا في الدعوة إلى تخصيص حصة عادلة لجميع المناصب التي تتعلق بالمشاركة السياسية للمرأة”. على سبيل المثال، التزمت الحكومة الوطنية التي تم تشكيلها حديثًا بضمان أن تكون 30% من المناصب للنساء، ولكن المشكلة هنا أن هذا الالتزام يتعلق بهذه الحكومة فقط، بينما نحتاج إلى قوانين وآليات أكثر شمولا لضمان هذه النسبة المئوية من المشاركة في المستقبل”.
بالإضافة إلى هذا، ثمة جانب هام يتعين على السلطات أن توليه مزيدًا من البحث والاهتمام عند إصلاح القوانين لتغدو أكثر شمولا، وهو أهمية إشراك النساء من مجتمعات السكان الأصليين. إذ ينبغي أن ندرس الهويات المتقاطعة التي يحملونها، من الجنس والعرق، والتي تزيد من إعاقة مشاركتهم؛ وذلك للتأكد من أننا نوفر فرصا متكافئة في مجتمعات السكان الأصليين. توضح السيدة سهام طالب (عضو المجلس الأعلى الأمازيغي) هذا الأمر بقولها “إن ليبيا دولة لا تعترف بالتنوع العرقي والإثني واللغوي. وهي لا تعترف بالخصوصية الثقافية للمجتمعات المحلية التي لا تنتمي إلى العرق العربي؛ مما يؤدي إلى أن جميع تشريعاتها قد تم سنها على أساس وجود عرق واحد. وهذا مما يجعل المرأة الأمازيغية مهمشة وتشعر دائما بأنها في مرتبة أدنى من المرأة العربية والمواطنة الأخرى، ولكي تحصل المرأة الأمازيغية على فرص متساوية في المشاركة السياسية؛ عليها أن تكون جزءا من نظام لا تنتمي إليه، سواء من وجهة نظر عرقية أو لغوية، مما يؤدي بها إلى التخلي عن هويتها الأصلية”.
وتُعدُّ اللامركزية جانبًا هامًا عند تضمين الأفراد بغض النظر عن خلفيتهم، حيث تقول السيدة سهام إن “الخطأ الذي استمرت الجهات المعنية في ارتكابه خلال السنوات العشر الماضية هو أنها ركزت اهتمامها على المدن الكبرى، وتجاهلت مجموعات أخرى في المجتمع، ولم تلتفت إلى احتياجاتها الخاصة”.
من ناحية أخرى، لدينا جانب الوعي الاجتماعي. فالمجتمع الليبي ليس بالداعم الأكبر للمرأة لتكون قائدة؛ وذلك لأسباب مختلفة تتعلق بالتقاليد والأعراف الجنسانية المجحفة، والقوالب النمطية. على سبيل المثال، لا يثق المجتمع الليبي بالنساء بوصفهن أفرادًا أحرارًا ومساوين لغيرهن. ولذلك، فإن الوعي الاجتماعي يلعب دورا أساسيًا في المشاركة السياسية للنساء؛ لأنه حتى لو تم توفير الإطار القانوني، فالشعب هو من سيقوم بالتصويت واتخاذ القرار. لذا، من أجل المشاركة الشاملة والمفيدة؛ نحتاج إلى ناخبين موضوعيين لا يستخدمون عدسة النوع الاجتماعي بل عدسة الكفاءة.
ختامًا، تعزى مشاركة النساء في السنوات العشر الماضية إلى العمل الصارم الذي قامت به الجهات الفاعلة في المجتمع المدني ودعاة المساواة بين الجنسين، غير أن هذا العمل لم تتم ترجمته في إطار قانوني يساعد على استدامة وضمان شمولية النساء في العمليات السياسية المقبلة. ومن ثم، يتعين على الجهات المعنية وضع آليات وقوانين أكثر شمولاً يمكن أن تكفل مشاركة المواطنين مشاركة بنّاءة بغض النظر عن نوعهم الاجتماعي أو هوياتهم الأخرى. كما ينبغي على أعضاء المجتمع البحث في مؤهلات وكفاءة الأفراد بدلا من النظر في الخلفية والجنس وأي عوامل أخرى غير ذات صلة.
التوصيـــــات:
- على منظمات المجتمع المدني والناشطين الدعوة إلى توثيق عملهم القوي، من خلال الدعوة إلى وضع أطر قانونية واضحة، مثل النص على حصة 30% للنساء في جميع جوانب المشاركة السياسية خلال المرحلة الانتقالية لضمان العدالة للجميع.
- على منظمات المجتمع المدني والناشطات مواصلة توعية النساء بحقوقهن القانونية وأهمية مشاركتهن السياسية بوصفهن منتخبات وناخبات.
- على الحكومة الوطنية وضع خطة عمل وطنية لتفعيل قرار مجلس الأمن رقم 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن، الذي يوضح بجلاء أهمية مشاركة المرأة في عمليات السلام.
- على الحكومة الوطنية كسب ثقة المواطنين الليبيين بضمان المشاركة الشاملة للجنسين على النحو الذي تعهدت به.
- على البرلمان تعديل كافة القوانين التي لا تشمل جميع المواطنين، بشكل واضح وصريح، بغض النظر عن جنسهم وخلفياتهم.
- يجب تعديل بعض المواد في مسودة الدستور، مثل المادة رقم 99؛ لتكون أكثر شمولا ولضمان المساواة في الوصول إلى وظائف صنع القرار، للرجال والنساء من مختلف الخلفيات.
- على المجتمع الدولي مواصلة تقديم الدعم والضغط لإشراك النساء، ومتابعة ورصد عملية إشراك النساء في المشاريع التي يقودها.
- على المجتمع الدولي والمجتمع المدني والحكومة وضع سياسات شاملة تضمن مشاركة النساء؛ بحيث يكون تأثيرها أكثر استدامة.
[i] * كاتبة وناشطة حقوقية ليبية
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!