تقرير موجز عن حالة حقوق الإنسان في ليبيا
يستمر الفشل الدولي والوطني في معالجة أزمة انتهاكات حقوق الإنسان المتفشية في ليبيا لسنوات طويلة. بالرغم من استمرار عمل بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، والتي تناوب على إدارتها نحو 9 ممثلين خواص للأمين العام للأمم المتحدة، إلا أن البعثة لم تتمكن من تحقيق هدفها الأول وهو تسهيل عملية سياسية شاملة يقودها الليبيون ويتولون زمامها بدعم من المجتمع الدولي، بما في ذلك إجراء انتخابات وطنية وبرلمانية حرة ونزيهة وشفافة وشاملة في أقرب. أيضًا وبالرغم من انتهاء ولاية بعثة تقصي الحقائق ونشر تقريرها النهائي المليء الذي توثق فيه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في ليبيا، وتوجه فيه اتهامات لجهات وأطراف محددة؛ إلا أن هذا الجهد لم تتم الاستفادة منه حتى اللحظة. إن غياب الإرادة السياسية لدى المجتمع الدولي والذي يترجمه صدور 44 قرار من مجلس الامن بخصوص ليبيا ، يضاف لذلك عجز الأطراف السياسية في إيجاد حلول للازمة مما أدى إلى الفشل في إجراء انتخابات وطنية نزيهة وشفافة، وفي تحول ليبيا إلى ساحة آمنة لمنتهكي حقوق الإنسان في ظل تفشي ظاهرة الإفلات من العقاب وغياب المحاسبة.
والأكثر خطرًا من فشل المجتمع الدولي في إجراء الانتخابات في ليبيا ودعم المجتمع المدني ووقف انتهاكات حقوق الإنسان، هو الانقسام السياسي الليبي وغياب الإرادة السياسية لدى الحكومة والسلطات الليبية المختلفة لإجراء انتخابات تحترم إرادة المواطنين الليبيين، والتخلي عن السلطة والسلاح؛ لتتمتع ليبيا بالسلام والأمن والديمقراطية وحقوق الإنسان. بالإضافة إلى تزايد تأثير الجماعات الدينية المتشددة على عدد لا يستهان به من المؤسسات الرسمية الليبية في الشرق والغرب، وانتشار خطابها المعادي للحقوق والحريات على منابر المساجد وقاعات اجتماعات صُناع القرار في شرق وغرب البلاد.
فلا تزال الحملة القمعية ضد المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان في ليبيا تتم برعاية الحكومة والأجهزة الأمنية والمجموعات المسلحة والمنابر الدينية، مستفيدة من غياب الدعم المطلوب من المجتمع الدولي لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان وحماية الحق في حرية التنظيم في ليبيا. ولأن حرية الصحافة والتعبير كان لها عدد لا يُحصى من الضحايا خلال العقد الماضي؛ فرض الكثير من الصحفيين على أنفسهم رقابة ذاتية لحماية أنفسهم من القتل والإخفاء القسري والتعذيب، وبينما توقف بعضهم عن الكتابة الناقدة لسياسات السلطات والحكومة الليبية، غادر البعض الآخر البلاد سعيًا وراء التمتع بالأمان، فيما يظل هناك صحفيون ومدونون وصُناع محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي يتوقعون الأسوأ في أي وقت. ولأنه لا توجد محاسبة للأطراف التي تنتهك حقوق الصحفيين، ولأن المعايير الدولية لحرية التعبير والصحافة ضربت بها السلطات الليبية عرض الحائط منذ زمن؛ استغلت بعض المؤسسات الدينية الرسمية الأمر لتفرض رقابة على التعبير والضمير هي أقرب لممارسات العصور الوسطى، وأنشأت ما يُسمى ببرنامج “حراس الفضيلة”. وهو ما أسفر عن تعرض عدد كبير من المواطنين لطائفة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان.
وبعد عدة شهور من تأسيس حراس الفضيلة؛ تلقى الليبيون صدمة كبيرة أخرى تمثلت في إعلان مجلس النواب عن إصداره قانون جديد ينتمي أيضًا للعصور الوسطى يحمل اسم (قانون تجريم أعمال السحر والشعوذة والكهانة وما في حكمها)، وذلك في جلسته المنعقدة في 9 يناير 2024. وبالرغم من غموض الجريمة المنصوص عليها في القانون المشار إليه؛ إلا أن العقوبة تصل إلى الإعدام، وإمعانًا في التخلي عن المعايير الحديثة للصياغات القانونية؛ استخدم المشرّع الليبي مصطلح “القتل” بدلا عن “الإعدام”. وجدير بالذكر أنه تم تقديم مشروع القانون في 2021 من قِبل الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية في حكومة الوحدة الوطنية، وذلك في ظل سيطرة التيار السلفي على الهيئة (في الشرق والغرب). يأتي ذلك في الوقت الذي يمتنع فيه مجلس النواب الليبي عن مراجعة الترسانة التشريعية الليبية وإلغاء العمل بقوانين قمعية وإصدار قوانين جديدة تراعي واقع الحياة اليومية للمواطن الليبي وتعمل على رفع المظالم وترسخ قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وتقوم بحماية الحقوق والحريات، مثل الامتناع عن إصدار قانون جديد للجمعيات وقانون يحترم حرية التعبير والصحافة ويحمي الصحفيين والنظر في القوانين المتعلقة بالانتخابات العامة ومراجعة قانون العقوبات الجنائية وغيرها.
وفي ظل غياب المحاسبة وتمتع الجناة بالإفلات من العقاب على ارتكاب جريمة الإخفاء القسري؛ تعرض عضو مجلي النواب إبراهيم الدرسي للاختطاف في 18 مايو 2024، وذلك من منزله ببنغازي في أعقاب حضوره الاحتفال بذكرى “عملية الكرامة” التي نظمها “الجيش الوطني الليبي” في الشرق بقيادة المشير خليفة حفتر. وهي حادثة تعيد إلى الأذهان ذكرى حادثة اختفاء النائبة سهام سرقيوة قسريًا في بنغازي في يوليو 2019، ولا يزال مصيرها مجهولا حتى الآن. وكانت مجموعة من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني قد أصدرت بياناً مشتركًا في 23 أبريل 2024، تحذر فيه من مغبّة استفحال ممارسات الإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي في ليبيا؛ وقد أشار البيان إلى أن تلك الممارسات تتم بشكل منهجي وعلى نطاق واسع “حيث أفرطت الأجهزة الأمنية في عمليات الاعتقال خارج إطار القانون، لإسكات الخصوم السياسيين، أو أولئك الذين ينظر إليهم على أنهم تهديد لرموز النظام السياسي وقياداته”.
من ناحية أخرى، وفي ظل تحالف السلطات المختلفة المستفيدة من استشراء الفساد في ليبيا؛ يظل المهاجرين واللاجئين بمثابة مصدر للأموال غير المشروعة، سواء بطلب الفدية من أهالي المهاجرين أو استعبادهم. فضلا عن استمرار تعرض المهاجرين للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان دون محاسبة الجناة، بما ذي ذلك القتل والتعذيب والاغتصاب والاستعباد الجنسي في أماكن الاحتجاز. وبينما يبتلع البحر الأبيض المتوسط سنويًا عددا كبيرًا من المهاجرين؛ فإنه في ظل حصار دول الاتحاد الأوروبي للمهاجرين ودعمها جهات مختلفة في منطقة شمال أفريقيا، بما في ذلك خفر السواحل الليبي، يتم إعادة أعداد هائلة من المهاجرين قسرًا من عرض البحر الأبيض المتوسط إلى ليبيا، ليتعرضوا مجددا لأنواع مختلفة من سوء المعاملة. ويتمتع الجناة بالإفلات من العقاب المحلي والدولي؛ الأمر الذي يشجعهم على الاستمرار في جرائمهم.
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!