تحديات أمام الحق في المحاكمة العادلة في ليبيا

9 يوليوز 2021

محمد الأنصاري- محام وباحث في القانون

التنظيم الدستوري للحق في المحاكمة العادلة

كرس الإعلان الدستوري، لعام 2011، باب الضمانات القضائية، لتقرير الحق في المحاكمة العادلة عبر مجموعة من المبادئ، عندما أكد على قرينة البراءة وكفالة ضمانات الدفاع. كما عني بالنص على استقلال القضاء باعتباره مفترضًا أوليًا لحماية الحقوق والحريات ومن بينها المحاكمة العادلة. هذا بجانب حظر إنشاء المحاكم الاستثنائية، مقررًا حق المواطنين في الالتجاء إلى قاضيهم الطبيعي. إضافة إلى المساواة أمام القانون[1] وصون حقوق الإنسان وحرياته الأساسية،[2] بما فيها حرمة الحياة الخاصة.[3] لكنه أغفل بعض الضمانات الضرورية الأخرى، التي سيتم التطرق لها عند تناول مسودة الدستور، والذي مرده أن الاعلان الدستوري ذو طبيعة وقتية لمواجهة ظروف طارئة، ومن ثم يتضمن المسائل اللازمة لإدارة شئون البلاد لحين وضع دستور ينظم سلطات الدولة والحقوق والحريات. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى مصادقة ليبيا على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛[4] اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛[5] اتفاقية حقوق الطفل؛[6] اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة؛[7] الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري؛[8] الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم؛[9] اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة؛[10] والتي من شأنها، نظريًا، إكمال النواقص التي أغفلها الإعلان الدستوري.

أما فيما يخص الحق في المحاكمة العادلة بمشروع الدستور،[11] فقد أفردت المسودة ما يقرب من عشرون مادة لتقرير مبادئها. فإضافة إلى ما قرره الإعلان الدستوري، تجنبًا للتكرار إلا إذا لزم الأمر، وضع المشروع العديد من الضمانات الهامة، يأتي في مقدمتها التقرير بسمو المعاهدات والاتفاقيات الدولية على القانون الوطني مستبعدًا اسبقيتها على الدستور.[12] إلا أن هذه الضمانة محفوفة بالمخاطر في ضوء المادة (6) من المسودة، والمحصنة من التعديل بحسب المسودة،[13] التي اعتبرت الشريعة الإسلامية مصدر التشريع، بما يعني امكانية تعطيل اتفاقيات حقوق الإنسان حال تصادمها بأحكام الشريعة الإسلامية، وهو أمر لا يتفق مع الهدف من الانضمام لهذه المعاهدات.[14]

أما الإشكالية الأخرى تتمثل في أن عجز المادة مقرون بشرط أفرغ مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية من محتواه، بحيث أخذ بيد ما أعطاه باليد الأخرى، فالمادة تنص على وجوب احترام المعاهدات الدولية إلا فيما “يتعارض مع أحكام الدستور” وهو تنصيص غامض من شأنه أن يفتح المجال أمام التراجع عن تطبيق المعاهدات الدولية التي صادقت عليها ليبيا سابقًا؛ على الرغم من الشروط الواجب على الدول التزام بها بموجب القواعد العامة الواردة في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 1969 في المادة 46 التي نصت على أنه لا يجوز أن تتذرع للدولة التذرع بقانونها الوطني من أجل التنصل من التزاماتها الناشئة بموجب معاهدة دولية.[15]

إضافة إلى ذلك، وضعت المسودة التزامًا على الدولة بحماية الكرامة الإنسانية والوقاية من صور العنف، ومناهضة التعذيب، وضرورب المعاملة القاسية واللاإنسانية، معتبرًا إياها جرائم لا تسقط بالتقادم.[16] علاوة على كفالة حرية التنقل وحظر المنع من السفر إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة،[17] كما حظرت المسودة تحصين التشريعات أو القرارات الإدارية من رقابة القضاء وعدم استبعاد أي سلوك ضار بالحقوق والحريات من ولاية القضاء.[18]

كما وضعت المادة (63) من المسودة بعض الضمانات الإجرائية في المواد الجنائية تتخلص في احترام الكرامة الإنسانية، وإلزام السلطات المختصة بتسبيب أوامرها الماسة بالحقوق والحريات. إضافة إلى حظر الايقاف في غير الأماكن المخصصة لذلك ولمدة محددة قانونًا، مع إعطاء الموقوف الوقت الكافي والتسهيلات اللازمة لإعداد دفاعه، وإعلامه بسبب ايقافه وبحقه في ألا يجبر على تقديم دفاع ضد نفسه، والاستعانة بمترجم ومحام من اختياره. كما وضعت التزامًا على الدولة بكفالة المساعدة القضائية.

بجانب ذلك، نهت المسودة عن اللجوء لسلب الحرية إلا في حالة عدم كفاية التدابير أو الإجراءات أو العقوبات البديلة، مع التزام السلطة التشريعية بتنظيم حالات التعويض عن سلب الحرية في حالة الأمر بألا وجه أو الحكم بالبراءة.[19] وتظهر أهمية هذه الضمانة في ضوء الاشكاليات التي تضمنتها النصوص المنظمة للحبس الاحتياطي حسبما سيرد لاحقا.

كما تضمنت المسودة العديد من النصوص التي تكفل استقلال السلطة القضائية والقضاة، وإن كان عليها بعض المآخذ. فقد نصت المادة (118) على أن “السلطة القضائية مستقلة، وظيفتها إقامة العل، وضمان سيادة القانون، وحماية الحقوق، والحريات. والقضاة مستقلون في أداء وظائفهم، ولا يخضعون لغير القانون، ويلتزمون مبادئ النزاهة والحياد. والتدخل في عمل القضاء جريمة لا تسقط بالتقادم”. وفي هذا السياق نخشى من التوسع في تجريم التدخل في عمل القضاء ليشمل الانتقادات الموجهة لها من المواطنين بما يشكل إفتئاتًا على حرية الرأي والتعبير.

ولضمان الاستقلال المالي والإداري، نصت  المادة (124) على أن “يكون للقضاء مجلس يسمى المجلس الأعلى للقضاء، يضمن حسن سيره، واستقلاله، ونزاهته، وفاعليته، وتطوره، ويتمتع بالشخصية الاعتبارية، والاستقلال الإداري، والمالي، ويعد مشروع ميزانيته، لمناقشته أمام السلطة التشريعية”. كما جعلت المسودة المجلس الأعلى للقضاء المهمين على كافة شئون السلطة القضائية، فهو المختص بتعيين أعضاء السلطة القضائية وترقيتهم ونقلهم وتأديبهم وتنظيم شئونهم الوظيفية. كما يختص بإنشاء المحاكم والنيابات، وإبداء الرأي في مشاريع القوانين المتعلقة بالقضاء وتقديم مقترحات بشأنها، وإقتراح إعادة تنظيم الهيئات القضائية القائمة أو إنشاء هيئات أخرى أو دمجها أو إلغاءها.[20]

ولضمان حصانة أعضاء الهيئات القضائية وأمانهم الوظيفي، نصت المادة (120) على أن “لا يعزل عضو السلطة القضائية، ولا يعفى، ولا ينقل من عمله، ولا يعاقب تأديبيا، إلا بموجب قرار مسبب من المجلس الأعلى للقضاء طبقا للضمانات والحالات التي يحددها القانون. وفي غير حالة التلبس، لا يجوز إتخاذ إجراءات ماسة بالحقوق والحريات في مواجته إلا بإذن من المجلس الأعلى للقضاء”.

يحسب لمسودة الدستور تقرير مبدأ التقاضي على درجتين في كافة القضايا عدا المخالفات والدعاوى قليلة الأهمية التي تركها تحديدها للقانون.[21] وأيضا تقرير مبدأ علنية الجلسات إلا في محاكم الأحداث أو لمراعاة النظام العام والأداب، وفي جميع الأحوال يكون النطق بالأحكام علنيًا.[22] وتقريرًا لإلزامية الأحكام القضائية وتنفيذها، نصت المادة (134) على أن “الأحكام القضائية ملزمة، ويحظر الامتناع عن تنفيذها، أو تعطيل واجب النفاذ منها بغير موجب قانوني”.

فيما يخص القضاء العسكري، فقد نصت المادة (133) من المسودة على أن “القضاء العسكري قضاء مختص بالنظر في الجرائم العسكرية التي يرتكبها عسكريون..”. ويؤخذ على هذه المادة عدم استبعاد انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها العسكريون من ولايته. ففي ملاحظتها حول الإكوادور سنة 1998، رحبت لجنة حقوق الإنسان بفكرة أن اختصاص المحاكم العسكرية مقصور على أفراد القوات المسلحة أثناء ممارستهم لمهامهم الرسمية؛ وأن هذه المحاكم ليس لها سلطة على المدنيين، وأن حالات انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها أفراد الجيش أو القوات الأمن تقع ضمن اختصاص المحاكم المدنية.[23]

أخيرأ، وضعت المسودة بعض الضمانات الهامة أثناء سريان حالة الطوارئ أو الأحكام العرفية عندما حظرت فرض قيود على الحقوق والحريات الأساسية إلا بالقدر الضروري للمحافظة على الأمن والسلامة العامة، وخضوع كافة القرارات والتصرفات لرقابة القضاء، وحظر محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، والتزام الدولة باحترام مبدأ المشروعية (المادة 189). ناهيك عن، حظر تعديل النصوص المقررة للحقوق والحريات إلا بغرض تعديلها (المادة 195).

استقلال المؤسسة القضائية

إن شرط اختصاص الهيئة القضائية واستقلالها وحيادها وفقا لمدلول الفقرة 1 من المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية هو حق مطلق لا يخضع لأي استثناء. ويشير شرط استقلالية الهيئة القضائية، على وجه الخصوص، إلى إجراءات تعيين القضاة ومؤهلاتهم وضمانات كفالة أمنهم الوظيفي حتى بلوغهم سن التقاعد الإلزامي أو انتهاء فترة ولايتهم، إذا كانت هنالك ولاية محددة، والشروط التي تحكم الترقية والنقل وتعليق ووقف ممارسة العمل، واستقلال الهيئة القضائية استقلالاً فعليًا عن التدخل السياسي من جانب السلطتين التنفيذية والتشريعية. وإذا أرادت الدول أن تكفل استقلال السلطة القضائية وحماية القضاة من خضوع قراراتهم لأي تأثير سياسي، فينبغي لها أن تتخذ إجراءات محددة من خلال الدستور أو اعتماد قوانين تحدد بوضوح الإجراءات والمعايير الموضوعية لتعيين أعضاء الهيئة القضائية ومكافآتهم واستقرارهم الوظيفي وترقياتهم ووقفهم عن العمل وفصلهم، وتحدد العقوبات التأديبية التي تتخذ ضدهم. كما لا يتسق مع مبدأ استقلال الهيئة القضائية أي وضع لا يُميّز فيه بوضوح بين وظائف واختصاصات السلطتين القضائية والتنفيذية أو تتمكن فيه السلطة التنفيذية من السيطرة على السلطة القضائية أو توجيهها. ومن الضروري حماية القضاة من تضارب المصالح والتخويف. وتستوجب المحافظة على استقلال القضاة صيانة وضعهم كما ينبغي بواسطة القانون، بما في ذلك مدة ولايتهم واستقلالهم وأمنهم وكفاية أجورهم وشروط خدمتهم ومعاشاتهم وسن تقاعدهم.[24]

منذ 2011، أدخلت العديد من التعديلات على قانون نظام القضاء 6/2006 والتي من شأنها إضفاء طابع من الاستقلالية على المؤسسة القضائية، كان أولها بموجب القانون 4/2011 الذي استبدل المجلس الأعلى للهيئات القضائية -الذي كان يرأسه وزير العدل ويضم في عضويته ورؤساء الإدارات التابعة له (التفتيش؛[25] القضايا؛[26] المحاماة؛[27] القانون[28]) بما سمح بهيمنة السلطة التنفيذية في عمل القضاء- بالمجلس الأعلى للقضاء ومن ثم إلغاء هذه الهيمنة عن طريق إعادة تشكيله ليضحى رئيس المحكمة العليا رئيسًا، والنائب العام نائبًا عنه، وعضوية رؤساء محاكم الاستئناف بما يحقق جزء من استقلاليته. لكن هذا التعديل لم يصمد طويلًا، حيث أصدر المؤتمر الوطني العام القانون 14/2013 ليعيد الحال لما كان عليه قبل القانون 4، باستثناء استبعاد وزير العدل من تشكيلة المجلس، وذلك عندما نص على أن يشكل من (1. مستشار من المحكمة العليا تنتخبه الجمعية العمومية للمحكمة العليا عن طريق الاقتراع السري.  2. رئيس إدارة التفتيش على الهيئات القضائية.  3. مستشار عن كل محكمة استئناف تنتخبه الجمعية العمومية لها بالاقتراع السري. 4. النائب العام. 5. عضو عن كل من إدارة القضايا و إدارة المحاماة الشعبية وإدارة القانون، لا تقل درجته عن الدرجة المعدلة لدرجة مستشار بمحكمة الاستئناف ينتخبه من هم في درجته من أعضاء الإدارة بالاقتراع السري). كما وضع شروط اختيار رئيس المجلس وأعضاءه والتي تتلخص في عدم شغل منصب أمينًا لمؤتمر شعبي أو عضوًا في أمانته أو عضوًا في لجنة شعبية على اختلاف مستوياتها؛ ألا يكون قد عمل عضوًا في المحكمة أو النيابة المختصة في الدعاوى الناشئة عن ثورة 17 فبراير، أو في محكمة أو نيابة أمن الدولة، أو في محكمة أو نيابة التخصصية التي أحيلت إليها الدعاوى بناء على تقدير النائب العام، أو محكمة الشعب، أو مكتب الإدعاء الشعبي، أو المحكمة الثورية الدائمة، أو نيابة أمن الثورة، أو رئيسًا لإحدى لجان التطهير، أو متعاونًا مع إحدى الجهات الأمنية في النظام السابق؛ ألا يكون قد صدر ضده حكم تأديبي؛ ألا يكون قد تحصل على تقدير نهائي بدرجة تقل عن فوق المتوسط.

كما تضمنت المادة الأولى من القانون 14/2013 تخصيص ميزانية مستقلة عن الميزانية العامة للدولة وذلك لتسيير أعمال المجلس الاعلى للقضاء بما يحقق الاستقلال المالي للمؤسسة القضائية. وتمنح هذه المادة المجلس الأعلى للقضاء درجة من السلطة فيما يتعلق بإنفاق ميزانيته الخاصة، ولكن يفترض بالمجلس الأعلى للقضاء أن يفوض بالمشاركة بشكل استباقي في النقاشات المتعلقة بالميزانية التابعة للسلطة القضائية ككل. فوزير العدل يحتفظ بسلطة الإشراف على ميزانية السلطة القضائية بما في ذلك ما يخص رواتب القضاة، والتدريب والمعهد العالي للقضاء.[29]

بيئة غير  آمنة للعمل القضائي:

كلما وجدت بيئة من الخوف والترهيب فإنها غالبًا ما تصيب نظام العدالة الجنائية بالشلل، وتؤدي إلى عدم التحقيق في الجرائم والمقاضاة بشأنها. وفي مثل هذا السيناريو، وعلى الرغم من وجود نظام للعدالة يفي بالغرض، فإنه لا يشتغل بسبب الخوف من الأعمال الانتقامية. وتقع على عاتق كل دولة المسئولية عن حماية الأطراف الفاعلة القضائية من الاعتداءات، والتخويف، والتهديدات، والأعمال الانتقامية، والثأر. وثمة حاجة إلى أن تتفهم الدول الأسباب الجذرية للهجمات، والتهديدات والتخويف، وتحديد الأطراف الفاعلة التي تشن هذه التهديدات، وإجراء تحقيق واف في جميع الادعاءات والشكاوى، وكفالة أن تكون هناك مساءلة في حالة إثبات صحة الشكاوى.[30]

فقد تعرض العديد من أعضاء السلطة القضائية، خلال المرحلة الانتقالية، لاعتداءات عنيفة بسبب حالة الانفلات الأمني وانتشار الجماعات والمليشيات المسلحة وصلت إلى حد القتل والخطف والاعتقال. فقد بدأت هذه الانتهاكات بحق أعضاء السلطة القضائية في عام 2013، حيث تم اعتقال عضو نيابة شمال بنغازي واحتجازه لمدة خمسة أيام والتعدي عليه بالضرب؛ اغتيال محمد نجيب هويدي القاضي بمحكمة استئناف الجبل الأخضر وذلك فور خروجه من مكتبه بمحكمة الاستئناف بدرنة؛ اغتيال المحامي العام بمحكمة استئناف الجبل الأخضر محمد خليفة النعاس بواسطة عبوة ناسفة زرعت أسفل سيارته بمدينة درنة.[31] وخلال عام 2014،  تم اعتيال النائب العام السابق والمستشار بالمحكمة العليا عبد العزيز الحصادي رميا بالرصاص؛ اغتيال ميلود عمار الراجحي القاضي بمحكمة جنوب بنغازي الابتدائية بعبوة ناسفة؛ محاولة اغتيال كل من المستئار توفيق الحاسي رئيس محكمة إجدابيا والقاضي هلال بوفارس، علاوة على اختطاف مساعد النائب العام بنيابة جنوب بنغازي عبد الناصر الجروشي من قبل مجموعة مسلحة.[32] وفي عام 2015، تم اغتيال المستشار محمد سالم النملي بالقرب من مدينة سرت، وخطف وكيل النيابة العامة بنيابة جنوب طرابلس الكلية طالب حسين عجاج من قبل مجموعة مجهولة.[33] وفي عام 2016، تم خطف رئيس محكمة شمال طرابلس المستشار محمود أبو عميد من قبل مجموعة مسلحة. كما سجل عام 2017، ثلاث حالات اختطاف خلال شهري فبراير ومارس، حيث تم اختطاف وكيل النيابة العامة بمدينة  الزاوية عضمان العجمعي من قبل مجموعة مسلحة على خلفية قضية جنائية منظورة؛ والقاضي بمحكمة طبرق الابتدائية ناصر الدرسي من قبل إدارة مكافحة الإرهاب ببوابة أم الرزم، ووكيل نيابة البريقة سالم المشري من قبل مجموعة عسكرية.[34]

هذا بالاضافة إلى تعرض بعض المقار القضائية للاستهداف، منها على على سبيل المثال، استهداف المحكمة الابتدائية بمدينة درنة بعبوات ناسفة من مجموعة مسلحة، عام 2013، وذلك عقب مطالبة مجموعة من القضاة بعودة المحاكم لعملها؛ استهداف محكمة إجدابيا الابتدائية بعبوات ناسفة خلال عام 2014؛  تفجير محكمة ترهونة في أوائل عام 2016؛ تنفيذ تنظيم داعش عملية انتحارية داخل مجمع المحاكم بمدينة مصراتة خلال أكتوبر 2017.

ونظرا لتوجيه ضربات قاسمة لأعضاء السلطة القضائية ومقارها، وخاصة بعد الهجمات على محكمة الاستئناف في منظقة الجبل الأخضر ومكتب النائب العام في بنغازي، هدد عدد من كبار القضاة بتعليق عمل المحاكم إذا لم تتوافر لهم ضمانات أمنية.[35]  ففي الفترة من 15 يناير إلى 5 مايو 2020، لم تنظر محاكم ليبيا إلا في القضايا المدنية وقضايا الأحوال الشخصية. وأرجئت القضايا الجنائية لامتناع أعضاء النيابة العامة عن التحقيق أو لعجزهم عن القيان بذلك بسبب خوفهم من انتقام الجماعات المسلحة. وعقب إعلان حالة الطوارئ بسبب كوفيد-19، في 14 مارس 2020، أصدر المجلس الأعلى للقضاء قرارا في اليوم التالي بتأجيل إجراءات دعاوى القضايا المدنية والجنائية حتى نهاية مايو 2020 مع إمكانية حدوث مزيد من التأخير. وينطوي هذا القرار على فرض قيود على حضور إجراءات المحاكمة بما في ذلك مثول المدعى عليهم في القضايا الجنائية.[36]

كما أن لهذه البيئة انعكاساتها على المحامين وأفراد الشرطة المسئولين عن قبول التبليغات عن الجرائم المرتكبة. ففي مقابلة مع أحدى المحاميات[37] من مدينة طرابلس قررت بأنها تفضل عدم قبول الوكالة عن ضحايا تعرضوا لانتهاكات على أيدي جماعات أو مليشيات مسلحة خوفا من التهديد أو التعرض لأذى، وضربت لنا مثلا على ذلك، بأنه طُلب منها قبول الوكالة عن شخص مختطف، من قبل قوات الردع، وصدر قرار قضائي بالإفراج عنه، لكن لم يتم تنفيذه، إلا أنها رفضت توجيه شكوى للنيابة العامة نظرا لأن المجموعة الضالعة في الانتهاك هي الحامية للنائب العام.  هذا بالاضافة إلى التعرض للإهانة والمعاملة الحاطة بالكرامة داخل نيابة طرابلس من قبل مليشيات مسئولة عن الحماية ولم يتسنى لها تقديم شكوى حفاظا على سلامتها.

وفي مقابلة أخرى مع أحد المحامين،[38] من مدينة سبها أكد على صعوبة تولي الوكالة في القضايا الجنائية لرفض الضحايا ذلك لعدم الثقة في المنظومة القضائية والخوف من ملاحقة المجموعات المسلحة. هذا بالاضافة إلى اقتناعهم بمحدودية دور المحامين وفاعليتهم في ظل دولة يغيب عنها القانون بفعل النزاعات المستمرة في ليبيا.

في هذا السياق، تجدر الاشارة إلى اغتيال المحامي الحقوقي والناشط السياسي البارز، عبد السلام المسماري، من قبل مجهولين. وتأتي واقعة اغتيال المسماري بعد أيام من ظهوره في أحدي القنوات التلفزيونية في يوم 24 يوليو وتحدث عن جرائم القتل التي تتم خارج اطار القانون والتي كان اخرها اغتيال اللواء عبدالفتاح يونس, قائد جيش المعارضة الليبية, والذي اغتيل في يوليو 2011, كما وجه المسماري في لقاءه التلفزيوني انتقادات لجماعة الاخوان المسلمين واعتبرها من المسئولين عن نشر الفوضى في ليبيا, كما انه عرف عنه انتقاده لجماعات الاسلام السياسي في وسائل الإعلام أو من خلال حساباته بشبكات التواصل الاجتماعي.[39]

الاحتجاز السابق على المحاكمة (الحبس الاحتياطي)

يعد الحبس الاحتياطي أحد أخطر الإجراءات التي تتخذها سلطة التحقيق –النيابة العامة أو قاضي التحقيق- في مواجهة المتهم بعزله عن العالم الخارجي بما يمس الحريات الشخصية وفي مقدمتها الحق في حرية التنقل. لذا يتعين على القانون عند تنظيمه الحبس الاحتياطي الأخذ بعين الاعتبار أنه إجراء استثنائي من “قاعدة الأصل في الإنسان البراءة” حتى لا يصبح عقوبة أو إجراء أشبه بالاعتقال الإداري. ذلك لأن الحبس الاحتياطي له ماض ملوث، فقد أسئ استخدامه في كثير من الدول وخاصة في النظم التسلطية التي تتفوق فيها السلطة بحكم نظامها السياسي. فمقتضى هذا الاجراء يودع المتهم في السجن خلال فترة التحقيق كلها أو بعضها ويتعرض لانتهاك كرامته الإنسانية بالصورة التي كان يتمتع بها وهو طليق السراح، وذلك بما يحدث لدى المتهم من أذى بليغ وصدمة عنيفة، تمس شخصه وشرفه وسمعته وأسرته ومصالحه، الأمر الذي يحقق به أضرارا بليغة يستحيل تعويضها.[40]

بالنظر إلى النصوص المنظمة للحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية يتضح أنها لم تحقق التوازن بين الحقوق والحريات ومقتضيات تحقيق العدالة لأسباب عدة، يأتي في مقدمتها، عدم وضع حد زمني أقصى للحبس الاحتياطي بما يسمح بتأبيده والتعسف في استخدامه. حيث أجاز القانون للمحكمة الابتدائية تمديد الحبس الاحتياطي، بطلب من قاضي التحقيق، لمدد متعاقبة لا تزيد كل منها على خمسة وأربعين يوما إلى حين انتهاء التحقيق[41].  كما أجاز للنائب العام، إذا كان التحقيق بمعرفة النيابة العامة، أن يطلب التمديد من المحكمة المذكورة إذا تجاوزت مدة الحبس تسعون يومًا إذا كانت ظروف التحقيق أو التصرف مما يستوجب ذلك[42]. الأمر الذي يُخرج الحبس الاحتياطي عن طبيعته الاستثنائية ويسهل استخدامه كعقوبة أو على أقل تقدير في صورة اعتقال مقنن.

وتغليبا لمقتضيات العدالة دون النظر لحقوق المتهم، أجاز القانون الحبس الاحتياطي في الجنايات والجنح المعاقب عليها بأكثر من 3 أشهر،[43] باعتبارها من الجنح الجسيمة دون تطبيقه على المخالفات والجنح البسيطة. وقد كان هذا التحديد متسقًا مع مبدأ قصر الحبس الاحتياطي على الجنح الجسيمة، عندما كانت التشريعات العقابية مقسطة في التجريم. لكن هذا المبدأ تم انتهاكه بعد عن شهدت تلك التشريعات غلوا في التجريم على نحو لم يعد معه في النظام القانوني الليبي إلا عددًا قليل من الجنح التي لا يزيد العقاب المقرر لها على ثلاثة أشهر، ولا يجوز فيها الحبس الاحتياطي بالتالي.

كما أغفل القانون حق المتهم في الطعن في أمر الحبس الاحتياطي وقصره على النيابة العامة حال صدور قرار من القاضي المختص بالافراج،[44] بالمخالفة لالتزامات ليبيا الدولية بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي أكد على أن “لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الرجوع إلى محكمة لكي تفصل هذه المحكمة دون إبطاء في قانونية اعتقاله، وتأمر بالإفراج عنه إذا كان الاعتقال غير قانوني”.[45]

في عام 2013، أصدر المؤتمر الوطني العام القانون رقم 3 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، والتي مفادها اختصاص النيابة العامة بالتحقيق في الجرائم المضرة بكيان الدولة وبأمنها الداخلي الواردة بالباب الأول من الكتاب الثاني من قانون العقوبات.[46] كما أجازت التعديلات احتجاز المتهم في هذه الجرائم لدى السلطات التنفيذية لمدة أقصاها 7 أيام تبدأ من تاريخ ضبطه وذلك قبل عرضه على النيابة العامة التي لها أن تستجوبه خلال ثلاثة أيام من تاريخ إحالته إليها،[47] بما يعني استمرار المتهم رهن الاحتجاز فترة تصل إلى تسعة أيام سابقة على إجراء التحقيق، مما يتعارض مع المادة 9 (3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي تشترط مثول شخص المتهم أمام قاض “على وجه السرعة” بما يعني أنه يجب تقديم المتتهم إلى سلطة قضائية في غضون 48 ساعة من القبض.[48] كما رفعت التعديلات سلطة النيابة العامة في الحبس الاحتياطي من ستة أيام[49] إلى اسبوعين، ومن ثم إذا رؤي مد الحبس وجب عرض الأوراق على القاضي المختص ليصدر أمره إما بالإفراج عن المتهم أو مد حبسه  لمدة أو لمدد متعاقبة لا تزيد كلّ منه على خمسة وأربعين يوماً إلى أن ينتهي التحقيق. الأمر الذي يؤكد إتجاه إرادة المشرع الليبي نحو التوسع في استخدام الحبس الاحتياطي وعدم تقرير بدائل له.ل

وفي هذا السياق، يشير تقرير مجلس الأمن إلى أن ما يقارب 8800 شخص، منهم 60 بالمائة رهن الاحتجاز في انتظار المحاكمة، مودعين في 28 سجنا رسميا يخضع اسميا لإشراف وزارة العدل. وإجمالا، كانت هناك 278 امرأة، من بينهم 184 مواطنة أجنبية، و 109 طفل في السجون و/أو في عهدة الشرطة القضائية.هذا بالاضافة إلى آلاف آخرون محتجزين في مرافق تخضع اسميا لوزارة الداخلية أو وزارة الدفاع، وكذلك في مرافق تديرها مباشرة جماعات مسلحة.[50]

الحبس بمعزل عن العالم الخارجي

يجيز قانون الإجراءات الجنائية لكل من النيابة العامة وقاضي التحقيق الأمر بعزل المحبوس احتياطيًا عن غيره من المسجونين وحرمانه الزيارة او الاتصال بأسرته وذويه دونما إخلال بحقه في الاتصال بمحاميه.[51] فهذه الاجازة محل استهجان لعدم وضع حد زمني أقصى لوضع المحبوسين احتياطيا رهن الحبس الانفرادي بالمخالفة للمادة (7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تحظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو الاإنسانية. وفي هذا السياق، أشارت الجمعية العامة إلى أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تصل القيود أو الجزاءات التأديبية إلى حد التعذيب، بأن حظرت على وجه الخصوص الحبس الانفرادي إلى أجل غير مسمى أو المطول.[52]

هذا علاوة على عدم مراعاة القانون الآثار الناجمة عن هذا الإجراء الفج، حيث أعترفت اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن “العزل الحسي الكامل المصحوب بعزلة اجتماعية، قادر على تدمير شخصية الإنسان، ويشكل نوعا من المعاملة القاسية التي لا يمكن تبريرها بنتطلبات الأمن أو بأي سبب أخر”[53].  ذلك لأن للحبس الانفرادي آثار صحية خطيرة وسيئة، والتي من بينها الآرق والتشوش والهلوسة والأمراض العقلية. كما أن العامل السئ الرئيسي الناجم عن الحبس الانفرادي هو تخفيض الاحتكاك الاجتماعي والنفسي المجدي إلى الحد الأدنى المطلق، أي الحد الذي لا يكفي بالنسبة لمعظم المعتقلين كي يبقوا صالحين عقليا. وعلاوة على ذلك، قد تكون آثار الحبس الانفرادي في المعتقلين رهن التحقيق أسوء من آثاره في المعتقلين الآخرين المعرضين للعزل، وذلك بالنظر إلى عدم اليقين المتوقع بالنسبة لطول فترة الاعتقال، واحتمال استخدامه لانتزاع المعلومات أو الاعترافات.[54]

القضاء العسكري

سبق وأن أشرنا الى تقرير الإعلان الدستوري ضمانة الالتجاء الى القاضي الطبيعي وحظره إنشاء المحاكم الاستثنائية والتي من بينها المحاكم العسكرية، وذلك لعدم تمتعها  بالاستقلال والحياد اللازمين نظرا لتبعيتها لأحد أذرع السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة الدفاع. حيث أنشأ القانون 1/1999 “الهيئة العامة للقضاء بالشعب المسلح” وحدد تبعيتها للجنة المؤقتة للدفاع.[55] علاوة على اختصاص أمين اللجنة بتشكيل المحكمة العليا[56] والمحاكم الدائمة بالشعب المسلح.[57] وتأكيدا لتلك التبعية يؤدي رؤساء واعضاء هذه المحاكم اليمين القانونية أمام رئيس الأركان العامة للجيش.[58] لذلك يرى الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي أنه ايا كانت التهم التي يواجهها المدنيون، لا ينبغي محاكمتهم أمام محاكم عسكرية، لأن تلك المحاكم لا يمكن اعتبارها محاكم مستقلة ونزيهة لتحاكم المدنيين.[59]

يضاف إلى ذلك عدم توافر المهارات والمؤهلات المناسبة لدى القضاة العسكريين لتولي المناصب القضائية بما يفقدهم القدرة على أداء وظائفهم، وتأكيدا لذلك لم يشترط القانون حصول كل قضاة المحكمة العليا والمحاكم الدائمة على إجازة في القانون، حيث قصر حصول قاض من بين خمسة قضاة (اعضاء المحكمة العليا) وقاض من بين ثلاثة قضاة (اعضاء المحاكم الدائمة) على هذه الإجازة. كما أجاز القانون ندب قاضي بدلا من العضو المجاز في القانون ليضمن بذلك الغالبية العسكرية على تشكيل هذه المحاكم.

شهد عام 2013 تطورا ملحوظا فيما يخص محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، عندما أصدر المؤتمر العام القانون رقم 11 بتعديل قانونا العقوبات والإجراءات العسكرية الذي قصر اختصاص القضاء العسكري على محاكمة العسكريين النظاميين والأسرى العسكريين النظاميين، ومن ثم عدم امتداد اختصاصها لمحاكمة المدنيين. ويحسب لهذا القانون إلزام القضاء العسكري بإحالة الدعاوى، سواء في مرحلة التحقيق أو المحاكمة، إلى القضاء العادي متى كان المتهمين فيها من غير العسكريين. لكن هذا القانون لم يصمد طويلا، حيث أصدر مجلس النواب القانون 4/2017 بتعديل قانوني العقوبات والإجراءات العسكرية الذي توسع في الاختصاص الشخصي للقضاء العسكري ليشمل، إضافة الى العسكريين، المدنيون العاملون بالجيش في حالة النفير؛ المليشيات المسلحة، مرتكبي جرائم الإرهاب بغض النظر عن شخص مرتكبها.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى توسع قانون الإرهاب 3/2014 في تعريف العمل الإرهابي، حيث تضمّن تجريم أعمال لا تُلحق إصابة جسدية خطيرة بأيّ شخص أو تؤدي إلى وفاته، وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 1566 (2004).[60] فمن قبيل الأعمال الإرهابية التي تضمنتها المادة (2) من القانون “كل استخدام للقوة أو للعنف أو التهديد أو الترويع بهدف الإخلال الجسيم بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر متى كان من شأن هذا الاستخدام إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو حقوقهم العامة أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالمواد الطبيعية أو بالآثار أو بالأموال أو بالمباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو استغلالها أو الاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة السلطات العامة أو مصالح الحكومة أو الوحدات المحلية أو البعثات الدبلوماسية والقنصلية أو المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية في ليبيا من ممارسة كل أو بعض أوجه نشاطها أو منع أو عرقلة قيام مؤسسات أو دور العبادة أو مؤسسات ومعاهد العلم لأعمالها أو تعطيل تطبيق أي من أحكام الدستور أو القوانين واللوائح وكذلك كل سلوك من شأنه الإضرار بالاتصالات أو بالنظم المعلوماتية أو بالنظم المالية أو المصرفية أو بالاقتصاد الوطني أو بمخزون الطاقة أو بالمخزون الأمني من السلع والمواد الغذائية والمياه أو بسلامتها”. فعندما يتضمن التعريف “إلحاق ضرر بالبيئة، ومنع أو عرقلة السلطات العامة أو مصالح الحكومة أو الوحدات المحلية من ممارسة نشاطها”، فإنه يسمح بإلصاق تهمة الإرهاب بالمتظاهرين أمام المرافق الحكومية أو المضربين عن العمل داخلها، وبالتالي يسمح هذا التعريف بمحاكمة المتظاهرين السلميين أمام القضاء العسكري. تفسيرًا لذلك، يعاقب قانون الإرهاب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد على عشر سنوات “كل من قام بالدعاية أو الترويج أو التضليل للقيام بالعمل الإرهابي سواء بالقول أو بالكتابة أو بأي وسيلة من وسائل البث أو النشر أو بواسطة الرسائل أو المواقع الإلكترونية.[61] فهذا النص ينطوي على مخالفة للمعايير الدولية لحرية التعبير بما في ذلك تداول المعلومات، حيث يعاقب على الترويج لأفكار ونشرها دون إيفاء شروط إحداث عنف وشيك، أو ترجيح احتمالية حدوثه، أو العلاقة المباشرة والفورية بين الترويج وحدوث العنف. من ثم يشكل القانون تهديدًا لحرية التعبير عن الرأي السياسي المعارض ونشره وبثه. ويعاقب أصحاب الرأي أو السياسيين أو الصحفيين أو الإعلاميين أو الناشطين على شبكة الانترنت أو مواقع التواصل الاجتماعي إذا روجوا لأفكار قد تعتبرها السلطات داعية للعنف بشكل عام. وبالتالي يضع القانون قيودًا عديدة على حرية التعبير وتشديد الرقابة على المواقع الالكترونية بصورة تجعل من ممارسة تلك الحقوق محفوفًا بمخاطر السجن لفترات طويلة للمواطنين غير المرتبطين أو الداعمين للمجموعات الإرهابية. كما أن التوسع في مفهوم الجريمة الإرهابية يكشف عن أن الهدف من وراء القانون هو إرهاب وخنق كل أشكال المعارضة السياسية السلمية، وكل الأصوات المستقلة، ومن بينها المدافعين عن حقوق الإنسان.إمعانًا في التضيق على الحريات وبزعم مكافحة الإرهاب، أصدر المجلس الرئاسي لحكومة قرار بإنشاء جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب،[62] الذي يضم ميليشات ضالعة في انتهاكات ضد المدنيين، مانحًا إياها اختصاصات قاضي التحقيق والقاضي الجزئي، عندما اختصها بالتنصت على المحادثات الهاتفية وتتبع مواقع التواصل الاجتماعي التي تتواتر بشأن مستخدميها معلومات تضمهم إلى دائرة شبهة المساس بأمن البلاد والعبث بالسلم الاجتماعي والأمن القومي وتعريضه للخطر،[63] مخالفًا بذلك المواد (79[64]، 180[65]) من قانون الإجراءات الجنائية حيث وضعتا إجراءات وضوابط مراقبة المحادثات الهاتفية والمراسلات مما  يختص به القضاء باعتباره صاحب الاختصاص بذلك. هذا بالإضافة إلى مخالفة الإعلان الدستوري الذي ارتقى بحرية الاتصال الهاتفي والمراسلات وغيرها من وسائل الاتصال ورفعها إلى مصاف الحقوق والحريات العامة فجعل منها بوصفها أحد مظاهر الحرية الشخصية حقًا دستوريًا مقررًا للفرد ولا يجوز المساس به دون مسوغ أو الانتقاص منه بغير مقتضى ولا أن يتخذ من تنظيم هذا الحق ذريعة للعصف أو التغول عليه. كما أحاط هذه الحرية بسياج قوي من الضمانات التي تكفل حق رعايتها وتمام ممارستها على أكمل وجه بأن حظر وضع قيود عليها إلا في أضيق نطاق وعلى سبيل الاستثناء، فلا يجوز التنصت والتجسس على المحادثات الهاتفية والمراسلات إلا لأمر تستلزمة ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع وبشرط أن يصدر هذا الأمر من قاضي التحقيق أو القاضي الجزئي إذا باشرت النيابة العامة التحقيق بمعرفتها.[66]

وبالعودة للقانون  4/ 2017 يتضح أنه اختص القضاء العسكري بمحاكمة المدنيين في الجرائم الواقعة على معدات ومهمات وأسلحة وذخائر ووثائق وأسرار القوات المسلحة، والجرائم التي تقع داخل المعسكرات أو الثكنات أو الأماكن التي يشغلها عسكريون لصالح القوات المسلحة . كما ألزم المحاكم العادية بإحالة ما لديها من دعاوى إلى القضاء العسكري بناء على هذا التعديل.

في ما يتعلق بالمحاكم العسكرية، لا ينطبق الحق في استئناف الأحكام الجزئية الصادرة عن آمر الوحدة عوض عن القاضي والسبيل الوحيد للمراجعة من خلال الآمر الأعلى رتبة الذي يعود له أما تعديل العقوبة أو إلغاؤها. بالاضافة إلى ذلك لا تقبل الأحكام الصادرة عن المحاكم الدورية العسكرية أو المحاكم الميدانية العسكرية الاستئناف. بالتالي لا يتوافق القانون الليبي مع القانون الدولي والمعايير الدولية التي تنص بوضوح على مراجعة الأحكام الصادرة من المحاكم العسكرية من قبل محكمة مدنية مستقلة عليا.[67]

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى إدانة المحاكم العسكرية لمئات المدنيين في شرق ليبيا في محاكمات عسكرية سرية وبالغة الجور تهدف إلى معاقبة الخصوم والنقاد الفعليين أو المفترضين للقوات المسلحة العربية الليبية والجماعات المسلحة التابعة لها بحسب ما قالت منظمة العفو الدولية اليوم. وقد حُكم على 22 شخصاً على الأقل بالإعدام وزُج بالمئات غيرهم في السجون بين عامي 2018 و2021. وتعرّض العديد من المتهمين للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة في الحبس الاحتياطي.[68]

مبدأ التقاضي على درجتين في الجنايات

الأصل فى الأحكام التى تفصل بصفة ابتدائية فى النزاع الموضوعى، هو جواز استئنافها، إذ يعتبر نظر النزاع على درجتين ضمانة أساسية للتقاضى لا يجوز حجبها عن المتخاصمين بغير نص صريح ووفق أسس موضوعية، بما مؤداه أن الخروج عليها لا يفترض، وذلك سواء نظر إلى الطعن استئنافيا -فى الأحكام الصادرة بصفة ابتدائية- باعتباره طريقًا محتومًا لمراقبة سلامتها وتقويم اعوجاجها أم كوسيلة لنقل النزاع برمته، وبكامل العناصر التى يشتمل عليها إلى المحكمة الاستئنافية، لتجيل بصرها فيه من جديد، باعتبار أن حكمًا واحدًا فى شأن هذا النزاع لا يقدم ضمانا كافيًا يرعى العدالة، ويضمن فعالية إدارتها وفقا لمستوياتهم التى التزمتها الدول المتحضرة .[69] وهذا ما عبرت عنه المادة 14 فقرة 5 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عندما نصت على أن ” لكل شخص أدين بجريمة حق اللجوء، وفقا للقانون، إلى محكمة أعلى كيما تعيد النظر في قرار إدانته وفى العقاب الذي حكم به عليه”.

والحق في إعادة النظر في الإدانة أو الحكم الصادر أمام محكمة أعلى، كما ورد في الفقرة 5 من المادة 14، يفرض على الدولة الطرف واجب إعادة النظر فعلياً، من حيث كفاية الأدلة ومن حيث الأساس القانوني، في الإدانة والحكم بقدر ما تسمح الإجراءات بالنظر حسب الأصول في طبيعة الدعوى. وإعادة النظر التي تنحصر في الجوانب القانونية أو الرسمية من الإدانة دون مراعاة لأي جانب آخر لا تعتبر كافية بموجب العهد. بيد أن الفقرة 5 من المادة 14 لا تستوجب إعادة المحاكمة بشكل كامل طالما كانت الهيئة القضائية التي تضطلع بإعادة النظر قادرة على النظر في الأبعاد الوقائعية للدعوى. وبالتالي، وعلى سبيل المثال، لا تكون أحكام العهد قد انتهكت عندما تنظر محكمة أعلى بدقة كبيرة في الادعاءات المقدمة ضد شخص مدان، وتدرس الأدلة المقدمة أثناء المحاكمة وتلك التي أُشير إليها في الاستئناف، فتجد ما يكفي من الأدلة الدامغة التي تبرر الإدانة في دعوى بعينها.[70]

وفي هذا السياق نؤيد الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور في توجهها نحو إقرار مبدأ التقاضي على درجتين في الجنايات آملين إقراره، ذلك لأن الطعن بالنقض يجيزه القانون في الاحكام النهائية لأسباب ترجع كلها إلى مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله، ولا تنظر محكمة النقض إلا للأسباب التي أوردها الطعان في صحيفة طعنه.  ومن هنا فإن أسبابه أسباب قانونية محددة لأنه ذو طابع استثنائي، ولا ينتج عنه إعادة نظر الدعوى، لأن محكمة النقض ليست درجة ثانية أو ثالثة من درجات التقاضي، ولا يعتبر الطعن أمامها امتداد للخصومة الأولى بين المتقاضين، وإنما هو بطبيعته خصومة خاصة أجازها القانون في أحوال بينها حصرًا.[71]

دور السلطة القضائية في إعمال رقابتها على أماكن الاحتجاز

عني قانون الإجراءات الجنائية بتقرير الرقابة القضائية على أماكن الاحتجاز، عندما أعطى لأعضاء النيابة وقضاة الاشراف ورؤساء ووكلاء المحاكم الابتدائية والاستئنافية مكنة زيارة السجون العامة الواقعة في دائرة اختصاصهم للتأكد من عدم وجود محبوس بصفة غير قانونية والأمر بالإفراج عنهم.[72] إضافة إلى قانون مؤسسات الإصلاح والتأهيل الذي اختص النائب العام وأعضاء النيابة العامة بالدخول في اي وقت لزيارة أماكن الأحتجاز للتحقق من تنفيذ أحكام وقرارات المحاكم وأوامر سلطة التحقيق وعدم وجود محتجز بغير أمر كتابي صادر من جهة قضائية بالاضافة إلى بعض الاختصاصات الأخرى المنصوص عليها في القانون المشار اليه.[73] إلا أن هذه الضمانة ظلت حبر على ورق بسبب سيطرة الجماعات المسلحة والميليشيات على أماكن الاحتجاز بعد نشوب القتال. فبحسب منظمة العفو الدولية، واصلت المليشيات والجماعات المسلحة وقوات الأمن الاحتجاز التعسفي لآلاف الأشخاص بدون تهمة أو محاكمة، بعضهم لمدد تصل إلى عشر سنوات؛ وفي غرب ليبيا، استمرت المليشيات التابعة لحكومة الوفاق –ومن ضمنها قوات الردع الخاصة، وكتيبة باب تاجوراء، والنواصي، وكتيبة أبو سليم، والزاوية قوة الإسناد الفرقة الأولى- في احتجاز عشرات الأشخاص بصورة غير قانونية .[74]

ونظرا لتفشي ظاهرة الاحتجاز التعسفي، أصدر المجلس الرئاسي المرسومين 1301 و 1304، 16 سبتمبر 2018، المتعلقين بتقصي أوضاع المحتجزين. وأنشأ المرسوم 1301 لجنة من ثلاثة أعضاء، يمثلون النيابة العامة والمجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل، لتقصي أوضاع المحتجزين في سجن معتيقة في إطار زمني مدته 10 أيام. وفي 17 سبتمبر تم تعديل المرسوم 1301 بالمرسوم 1307 الذي أضيف بموجبه ممثل لكل من الشرطة القضائية ووزارة الداخلية إلى اللجنة. وتم تمديد الموعد النهائي لإكمال مهمة التقصي لمدة 15 يومًا، على أن يُقدم تقرير إلى المجلس. وينص المرسوم 1304 على أن يُطلق سراح جميع الأشخاص المحتجزين بعد الفترة المنصوص عليها في القانون فورا، باستثناء المتهمين بجرائم ذات صلة بالإرهاب والقتل والسطو المسلح والإتجار بالمخدرات. وأسند المرسوم مهمة تنفيذ أحكامه إلى وزير العدل بالتنسيق مع وزارة الداخلية.[75]

وفي 19 سبتمبر من العام ذاته، أصدر المجلس الأعلى للقضاء المرسوم رقم 129 بشأن إنشاء لجنة أخرى لاستعراض حالات الاحتجاز التعسفي في سجن معتيقة. وبموجب عذا المرسوم، عين ثلاثة مدعين عامين لاستكمال مهمة مراجعة قانونية احتجاز الأفراد المحتجزين وإعداد تقرير في غضون أسبوعين. وأنيطت باللجنة التي أنشئها المدعي العام بالوكالة ولاية وتركيبة قضائية بحتة.[76]

كما أن لتفشي هذه الظاهرة آثار سلبية على الفئات التي تعاني من حالات ضعف. حيث لا يزال المهاجرون واللاجئون، بمن فيهم النساء والأطفال، يتعرضون روتينيًا للتمييز والاعتقال والاحتجاز التعسفي والتعذيب وانتهاكات وتجاوزات أخرى لحقوق الإنسان. وقد تلقت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تقارير عن حالات تعذيب وحرمان من الغذاء والرعاية الصحية واختفاء قسري وعنف جنسي وجنساني ضد محتجزين في مراكز في سوق الخميس وأبو سليم والناصر وأبو عيسى يديرها جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية. كما تفيد التقارير بأن نحو 278 أمرأة مازلن في مراكز احتجاز تخضع اسميا لسلطة وزارة العدل، ويقدر أن 200 امرأة محتجزات في مراكز الاحتجاز في معيتيقة. وتلقت البعثة ادعاءات متعددة بارتكاب حراس أعمال عنف جنسي وتعذيب وحالات سوء معاملة وتجاوزات جنسية أخرى ضد نساء وأطفال مشتبه في صلتهم بمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، ومما يزيد من تفاقم العنف ضد النساء والأطفال عدم وجود حارسات في السجون ومراكز الاحتجاز. ولا يزال الإبلاغ عن أعمال العنف الجنسي والجنساني قليلا في ليبيا بسبب التخويف والخوف من الانتقام والوصم المغلوط نتيجة اعراف تميزية ضمنية يحكمها نوع الجنس. [77]

ونظرًا لخطورة الممارسات والانتهاكات داخل أماكن الاحتجاز، حثت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا على اتخاذ خطوات عاجلة لوضع حد للجرائم التي ترتكب في مرافق الاحتجاز، والتحقيق بالكامل بادعاءات الاحتجاز التعسفي والتعذيب ومصادرة الممتلكات والاغتصاب، وغيرها من أشكال العنف الجنسي.[78]

حماية الضحايا والشهود

يتسم موضوع حماية الضحايا والشهود بالأهمية في التحقيقات التي تجرى بشأن أنواع عديدة من الجرائم وما يتعلق بها من ملاحقة قضائية، بما في ذلك الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي حيث تنص مجموعة من قوانين حقوق الإنسان على حق الضحايا والشهود في الحماية. وفي الوقت نفسه، تحتل مسألة حماية الشهود مكانا بارزا بصفة خاصة في سياق الملاحقة القضائية للجماعات الإجرامية والإرهابية المنظمة التي توجد لديها الوسيلة والدافع لإسكات و/أو ترهيب الشهود المحتملين لمنعهم من التعاون مع سلطة إنفاذ القانون والسلطات القضائية.[79]

لذلك تتضمن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية حماية الشهود والضحايا، عندما ألزمت الدول الأطراف، في حدود إمكانيتها، لاتخاذ تدابير ملائمة لتوفير حماية فعالة للشهود الذين يدلون بالشهادة وكذلك لأقاربهم وسائر الأشخاص الوثيقي الصلة بهم من أي انتقام أو ترهيب محتمل، والتي من بينها: وضع قواعد إجرائية لتوفير الحماية الجسدية لأولئك الأشخاص، كالقيام مثلا، بتغيير أماكن إقامتهم؛ السماح، عند الاقتضاء، بعدم إفشاء المعلومات المتعلقة بهويتهم وأماكن وجودهم أو بفرض قيود على إفشائها؛ توفير قواعد خاصة بالأدلة تتيح الإدلاء بالشهادة على نحو يكفل سلامة الشاهد، كالسماح مثلا بالإدلاء بالشهادة باستخدام تكنولوجيا الاتصالات.

فعلى الرغم من الأهمية البالغة لحماية الضحايا والشهود، لم يرد في التشريعات الليبية ما يقرر لهم الحماية، إنما كل النصوص القانونية المتعلقة بالشهود والمبلغين هي مجرد مواد تنظيمية تتعلق بكيفية أداء الشهادة أمام جهات التحقيق والمحاكمة، وإجراءات إعلان الشهود وتكليفهم بالحضور وغيرها من الإجراءات الأخرى.

الاعتراف تحت وطأة التعذيب والمعاملة القاسية

يتعين، بداية، التطرق لجريمة التعذيب في القانون الليبي لما شهدته من تطور خلال المرحلة الانتقالية والتي تلافت بعض الانتقادات الموجهة لقانون العقوبات فيما يخص تجريم التعذيب، ومن ثم الوقوف على مدى الأخذ بالاعتراف تحت وطأة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

فقد جرمت المادة (435) من قانون العقوبات التعذيب وذلك عندما نصت على أن “كل موظف عمومي يأمر بتعذيب المتهمين أو يعذبهم بنفسه يعاقب بالسجن من ثلاث سنوات إلى عشر”. فهذا النص محل انتقاد لعدم توافقه مع أحكام اتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليها ليبيا عام 1989. حيث نصت المادة الأولى متها على أن “يقصد ‘بالتعذيب ‘ أى عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد ،جسديا كان أم عقليا،يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص،أو من شخص ثالث،على معلومات أو على اعتراف ،أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في انه ارتكبه ،هو أو شخص ثالث أوتخويفه أو ارغامه هو أو أى شخص ثالث – أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأى سبب يقوم على التمييز ايا كان نوعه،أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها”. ومن ثم، وفقا لقانون العقوبات، يتضح أن جريمة التعذيب اشترطت تحقق صفة “المتهم” في المجني عليه، وبالتالي استبعد جريمة تعذيب غير المتهم لحمل المتهم الأصلي، بما مؤداه، في هذه الحالة، يتم معاقبة مرتكب الجريمة وفقا لنصوص المواد (379،[80] 380،[81] 381[82]) من قانون العقوبات باعتبارها جريمة إيذاء وليس تعذيبًا بالمعنى المقصود في الاتفاقية. فالفارق بين الجريمتين كبير من حيث العقوبة واجبة التطبيق، فجريمة التعذيب جناية معاقب عليها من ثلاث إلى عشر سنوات، بينما جريمة الإيذاء فيعاقب عليه بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات على أقصى تقدير.

لكن بعد صدور القانون 10/2013 بشأن تجريم التعذيب والإخفاء القسري والتمييز الذي ألغى ضمنيا المادة (435) من قانون العقوبات المشار اليها بعاليه، تحسن الوضع بعض الشئ حيث أعاد تعريف جريمة التعذيب وتقرير عقوبات مغايرة وذلك عندما نص في المادة الثانية منه على أن “يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات كل من قام بنفسه أو أمر غيره بإلحاق معاناة بدنية أو عقلية بشخص معتقل تحت سيطرته لإجباره على الاعتراف بما ارتكبه أو بما لم يرتكبه أو بسبب التمييز أيا كان نوعه أو بسبب الانتقام أياً  كان الدافع. ويعاقب بذات العقوبة كل من سكت على التعذيب رغم قدرته على إيقافه. وتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن ثماني سنوات إذا نتج عنه إيذاء جسيم كما تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن عشر سنوات إذا نتج عن الفعل إيذاء خطير،وفي حالة وفاة المجني عليه بسبب التعذيب تكون العقوبة السجن المؤبد”. على الرغم من التحسينات التي أجراها القانون (10) فيما يخص جريمة التعذيب، إلا أنه لا يخلو من نقد حيث ضيق من نطاق تطبيق المادة وذلك عندما حصر جريمة التعذيب على الافعال المرتكبة في مواجهة المعتقلين دون غيرهم حيث أخذ النص بهوية الضحية وليس الفعل المرتكب.

أما فيما يخص “مسئولية السياسيين والقادة” الجرائم المتضمنة بالقانون ومن بينها جريمة التعذيب، فقد جاءت المادة (8) من القانون بصياغة معيبة يستحيل معها تطبيق النص ومن ثم معاقبتهم، حيث نصت على أن “يعاقب بذات العقوبة كل مسؤول سياسي أو تنفيذي أو اداري أو قائد عسكري أو أي شخص قائم بأعمال القائد العسكري إذا ارتكب الجرائم المنصوص عليها في المواد السابقة قوات تخضع لإمرته وسيطرته أو موظف تابع له في حالة تبين أنه لم يتخذ ما يلزم من تدابير لمنع ارتكابها أو كشفها مع قدرته على ذلك أو حال بأي وجه من الوجوه دون عرضها على السلطات المختصة بالتأذيب أو التحقيق أو المحاكمة”. فاستخدام جملة “بذات العقوبة” جاءت مجهلة وخالية من تقرير عقوبة واضحة، فأي عقوبة يقصد واضعو القانون! هل المقصود بها ذات العقوبة المقررة لكل جريمة؟ فإذا كان ذلك سيستحيل على القاضي تطبيق النص نظرا لعدم تقرير العقوبة على نحو واضح ومحدد. [83]

وعلى الرغم من تجريم التعذيب إلا أنه لا ينص القانون الليبي صراحة على استبعاد المعلومات التي يتم الحصول عليها أو انتزاعها من خلال التعذيب أو المعاملية السيئة كأدلة في المحاكمات، كما تنص على ذلك اتفاقية مناهضة التعذيب، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب؛ إلا إذا كان ذلك ضد شخص متهم بارتكاب التعذيب كدليل على الإدلاء بهذه الأقوال.[84]

الإفلات من العقاب

أدى عجز النظام القضائي عن العمل إلى انتشار ظاهرة الافلات من العقاب، والتي تفاقمت بسبب استخدام الجماعات المسلحة لأداء مهام الموظفين الحكوميين المكلفين بإنفاذ القانون. منذ عام 2012، أدمجت الجماعات المسلحة اسميًا في مختلف هياكل الدولة، بما في ذلك وزارات الدفاع والداخلية والعدل، لكنها ظلت، في الممارسة العملية، تحافظ على هياكل القيادة والمراقبة الخاصة بها. وبموجب هذا الترتيب، تواصل الدولة دفع رواتب هذه الجماعات التي تواصل الاضطلاع بمهام إنفاذ القانون، كالتوقيف وإدارة مراكز الاحتجاز، في ظل انعدام أو ضعف الإشراف أو الرقابة من جانب الحكومة.[85]

ومن الناحية العملية، تتعرض عملية التقاضي الحالية في ليبيا وآليات الانتصاف المحلية للعديد من القيود والانتهاكات. فمع انتشار المجموعات المسلحة وانتشار السلاح لا يلجأ العديد من الضحايا للتقاضي، بسبب بطء إجراءات التقاضي وضعف جهاز النيابة العامة في المتابعة والتحقيق، نظرًا لعدم تمتعه بمنظومة فاعلة من الشرطة ومأموري الضبط القضائي الذين في الواقع أغلبهم من عناصر المجموعات المسلحة أو متعاونين معها على أقل تقدير، مما يجعل انصياعهم لأوامر النيابة أمر متروك لتقديرهم الخاص ومصالح الجماعات التي ينتمون لها.[86] الأمر الذي يؤدي حتما إلى افلات مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان من العقاب.

وبينما تعد الحكومة مسؤولة في المقام الأول عن التحقيق بشأن الانتهاكات والاعتداءات الخطيرة ومقاضاة المسؤولين عنها، يبدو أن نظام العدالة لا يمتلك حالياً الوسائل أو القدرة التي تمكّنه من إجراء تحقيقات سريعة ومستقلة وذات مصداقية في الادعاءات أو مقاضاة المسؤولين بما يتفق مع مبادئ حقوق الإنسان. وتتمثل التحديات في انعدام الحماية للعاملين في مجال القضاء والضحايا والشهود؛ وأوجه قصور في الإطار القانوني، وقدرات النظام القضائي؛ وفي بعض الأوساط، انعدام الثقة في قدرة النظام القضائي على إقامة العدل بنزاهة، لا سيما في “القضايا السياسية” المتعلقة بالنزاع.[87]

توصيات:

  • تمكين السلطة القضائية من ممارسة عملها المنوط بها وفقا للتشريعات، ووقف الانتهاكات التي يتعرض لها القضاة وأعضاء النيابة ومحاسبة المسئولين عنها والعمل على توفير بيئة عمل أمنه لهم، في خطوة لازمة للحد من ظاهرة الإفلات من العقاب.
  • تعديل التشريعات المنظمة للقضاء بما يضمن الاستقلال المؤسسي والذاتي للقضاة.
  • وضع حد زمني أقصى لمدة الحبس الاحتياطي بما يضمن التوازن بين الحقوق والحريات ومقتضيات تحقيق العدالة وذلك بالنظر إلى طبيعته الاستثنائية. وفي هذا السياق توفير سبل الطعن للمتهمين في القرارات الصادرة بالحبس الاحتياطي.
  • إقرار مبدأ التقاضي على درجتين في الجنايات.
  • سن قانون لحماية الضحايا والشهود.
  • وقف سيطرة الجماعات المسلحة على أماكن الاحتجاز والإفراج الفوري عن المحتجزين رهن الاحتجاز التعسفي.
  • الحد من انتشار ظاهرة الاحتجاز دون محاكمة وخارج إطار العدالة الجنائية من قبل المليشيات والجماعات المسلحة المدعومة من الدولة أو الموالية لها أو غير التابعة لها على حد سواء.
  • إجراء تعديلات تشريعية على قانون مؤسسات الإصلاح والتأهيل للحد من إمكانية استخدام الحبس الإنفرادي لمدد مطولة وقصره على الحالات العقابية بما يتوافق مع المعايير الدولية لمعاملة السجناء.
  • تعديل قانون تجريم التعذيب بحيث لا يقتصر فقط على الضحايا من المعتقلين. إضافة إلى تحديد عقوبة جريمة التعذيب المرتكبة من قبل المسئولين السياسيين والقادة على وجه الدقة منعا للإفلات من العقاب.
  • إلغاء القانون 4/ 2017 الذي يجيز محاكمة المدنيين امام القضاء العسكري وقف كافة المحاكمات المنظورة أمامه وإحالتها للقضاء العادي باعتباره القضاء الطبيعي.

[1]  المادة (6) من الإعلان الدستوري.

[2]  المادة (7) من الإعلان الدستوري.

[3]  المادة (12، 13) من الإعلان الدستوري.

[4]  تمت المصادقة بتاريخ 15 مايو 1970.

[5]  تمت المصادقة بتاريخ 16 مايو 1989.

[6]  تمت المصادقة بتاريخ 15 أبريل 1993.

[7]  تمت المصادقة بتاريخ 16 مايو 1989.

[8] تمت المصادقة بتاريخ 3 يوليه 1968.

[9]  تمت المصادقة بتاريخ 18 يونيو 2004.

[10]  تمت المصادقة بتاريخ 13 فبراير 2018.

[11] المعتمدة بالجلسة العامة للهيئة التأسيسية رقم (74) المنعقدة بمدينة البيضاء، بتاريخ 29 يوليو 2017، والتي لم يتم الاستفتاء عليها كونها محل خلاف.

[12] المادة (13) من مشروع الدستور.

[13] المادة (195) من مشروع الدستور.

[14]  تنص المادة (27) من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات (1969) على أن “لا يجوز لطرف في معاهدة أن يحتج بنصوص قانونه الداخلي كمبرر لإخفاقه في تنفيذ المعاهدة”. وفي هذا السياق تشير اللجنة المعنية بحقوق الإنسان إلى أنه ينبغي على الدولة الطرف احترام جميع التزماتها بموجب العهد احتراما كاملا وعدم التذرع بأحكام قواعدها الداخلية لتبرير إخلالها بالتزاماتها بموجب العهد. (CCPR/C/IRN/CO/3)، فقرة 5.

[15] يراجع في ذلك: هالة الأطرش، الحقوق والحريات في الدستور، صـ 182، منشور في: معايرة لمشروع الدستور الليبي، مركز دراسات القانون والمجتمع، جامعة بنغازي.

[16] المادة (34) من مشروع الدستور.

[17]  المادة (44) من مشروع الدستور.

[18] المادة (61) من مشروع الدستور.

[19]  المادة (64) من مشروع الدستور.

[20] المادة (125) من مشروع الدستور.

[21] المادة (122) من مشروع الدستور.

[22]  المادة (121) من مشروع الدستور.

[23] CCPR/C/79/Add.92، فقرة 7.

[24] CCPR/C/GC/32، فقرة 19.

[25]  تعد هيئة قضائية وتختص بالتفتيش على جميع أعضاء الهيئات القضائية لمتابعة أعمالهم، والتعرف على مدى حرصهم على أداء واجبات وظائفهم، وتحقيق معدلات الأداء المقررة بموجب أحكام هذه اللائحة، وتحقيق الشكاوى التي تقدم ضدهم، وإقامة الدعاوى التأديبية ضدهم ومباشرتها أمام المجلس الأعلى للهيئات القضائية، ولها أن تجري تفتيشاً عاجلاً أو مفاجئاً على أعمالهم وتصرفاتهم، بالاضافة إلى الاختصاصات الأخرى التي تضمنها قرار  المجلس الأعلى للهيئات القضائية رقم (4) لسنة 2008 بشأن لائحة التفتيش القضائي.

[26] منشأة بالقانون رقم (87) لسنة 1971  تعتبر من الهيئات القضائية وتنوب عن الحكومة والهيئات والمؤسسات العامة فيما يرفع منها أو عليها من دعاوى لدى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها ولدى الجهات الأخرى التي يخولها القانون اختصاصاً قضائياً، بالاضافة للإختصاصات الأخرى التي نص عليها القانون.

[27] منشأة بالقانون رقم (4) لسنة 1981 تعتبر من الهيئات القضائية، وتقوم بإرشاد المواطنين وتوعيتهم بمختلف أحكام القوانين واللوائح التي تتعلق بحقوقهم و واجباتهم ومصالحهم، وبمعاونة المواطنين على إنهاء منازعاتهم صلحاً، بالاضافة إلى الاختصاصات الأخرى التي نص عليها القانون.

[28]  منشأة بالقانون رقم (6) لسنة 1992، وتعتبر من الهيئات القضائية. وتختص بمراجعة مشروعات القوانين التي تحال عليها من الجهات العامة وتفسير القوانين واللوائح والقرارات ومراجعة وصياغة مشروعات المعاهدات و الاتفاقيات، بالاضافة إلى الاختصاصات الأخرى التي نص عليها القانون.

[29]  اللجنة الدولية للحقوقيين، تحديات أمام القضاء الليبي: ضمان الاستقلال والمساءلة والمساواة بين الجنسين، صـ 32.

[30]  A/65/274، فقرة 26.

[31] يراجع في ذلك: مروان الطشاني، القضاء الليبي: سلطة تعمل من قلب النزاع، صـ 124، منشور في: ديمقراطية ضلت طريقها، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.

[32] مروان الطشاني، المصدر السابق.

[33] مروان الطشاني، المصدر السابق.

[34] مروان الطشاني، المصدر السابق.

[35]  S/2013/104، فقرة 26.

[36]  S/2020/360 فقرة 45.

[37]  فضلت عدم ذكر اسمها خوفا من الملاحقات والتهديدات.

[38] فضل عدم ذكر اسمه خوفا من الملاحقات والتهديدات.

[39] الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، الشبكة العربية تدين اغتيال المحامي والمعارض البارز عبدالسلام المسماري في ليبيا، 30 يوليو 2013.

[40]  د. أحمد فتحي سرور، القانون الجنائي الدستوري، دار الشروق، طبعة 2006، صـ 483.

[41]  تنص المادة (123) من قانون الإجراءات الجنائية على أن “إذا رأى قاضي التحقيق مد الحبس الاحتياطي زيادة على ما هو مقرر بالمادة السابقة وجب قبل انقضاء المدة السالفة الذكر عرض الأوراق على إحدى دوائر المحكمة الابتدائية المشكلة من ثلاثة قضاة لتصدر أمرها بما تراه بعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم، وللدائرة المذكورة مد الحبس مدداً متعاقبة لا تزيد كل منها على خمسة وأربعين يوماً إلى أن ينتهي التحقيق”.

[42] تنص المادة (177) من قانون الإجراءات الجنائية على أن “إذا لم ينته التحقيق بعد انقضاء مدة الحبس الاحتياطي المذكور في المادة السابقة وجب على النيابة العامة عرض الأوراق على إحدى دوائر المحكمة الابتدائية بهيئة استئنافية لتصدر أمراً بالإفراج عن المتهم بعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم أو بمد الحبس مدة أو مُدداً متعاقبة لا تزيد كل منها على ثلاثين يوماً ولا تجاوز في مجموعها تسعين يوماً. ومع ذلك يتعين عرض الأمر على النائب العام أو من يفوضه ليطلب من الهيئة المذكورة زيادة مُدد الحبس الاحتياطي عن الحد المقرر في الفقرة السابقة إذا كانت ظروف التحقيق أو التصرف مما يستوجب ذلك”.

[43]  المادة (115) من قانون الإجراءات الجنائية.

[44]  المادة (176) من قانون الإجراءات الجنائية.

[45]  المادة (9) فقرة 4 من العهد.

[46]  المادة (187) مكرر (أ) من قانون الإجراءات الجنائية.

[47] المادة (187) مكرر (ب) من قانون الإجراءات الجنائية.

[48]  الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي: النتائج الأولية لزيارة الفريق العامل إلى قطر (3 – 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2019)

[49] المادة (175) من قانون الإجراءات الجنائية.

[50]  S/2020/360 فقرة 44.

[51]  المادة (121) من قانون الإجراءات الجنائية.

[52]  A/RES/70/175، القاعدة 43، صـ 23.

[53]  إلاسكو وآخرون ضد مولدوفا وروسيا، الدعوى رقم 48787/99، المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، (2006)، الفقرة 432، مشار اليه في A/66/268، فقرة 55.

[54]  A/63/175، الفقرة 82.

[55]  المادة (1) من قانون الإجراءات الجنائية في الشعب المسلح.

[56] المادة (37) من قانون الإجراءات الجنائية في الشعب المسلح.

[57] المادة (38) من قانون الإجراءات الجنائية في الشعب المسلح.

[58]  المادة (5/14) من القانون رقم (11) لسنة 2012م بتقرير بعض الاحكام في شأن صلاحيات المستويات القيادية بالجيش الليبي.

[59]  A/HRC/WGAD/2014/10، فقرة 18.

[60] يذكر بأن الأعمال الإجرامية، بما في ذلك تلك التي ترتكب ضد المدنيين بقصد القتل أو إلحاق إصابات جسمانية خطيرة، أو أخذ الرهائن، بغرض إشاعة حالة من الرعب بين عامة الجمهورأو جماعة من الأشخاص أو أشخاص معينين، أو لتخويف جماعة من السكان، أو إرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بعمل ما أو عدم القيام به، والتي تشكِّل جرائم في نطاق الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية ذات الصلة بالإرهاب ووفقا للتعريف الوارد فيها، لا يمكن تحت أي ظرف من الظروف تبريرها بأي اعتبارات ذات طابع سياسي أو فلسفي أو عقائدي أو عنصري أو عرقي أو ديني أو أي طابع آخر من هذا القبيل، ويهيب بجميع الدول أن تمنع هذه الأعمال، وأن تكفل، في حالة عدم منعها، المعاقبة عليها بعقوبات تتمشى مع ما لها من طابع خطير.  S/RES/1566 (2004)، فقرة 3.

[61]  المادة 15 من قانون الإرهاب.

[62]  قرار رقم 555 لسنة 2018، صدر بتاريخ 7 يوليو 2018.

[63]  المادة (4) من القرار 555 لسنة 2018.

[64] تنص المادة (79) على أن “لقاضي التحقيق أن يضبط لدى مكاتب البريد كافة الخطابات والرسائل والجرائد والمطبوعات والطرود، ولدى مكاتب التلغرافات كافة البرقيات، كما يجوز له مراقبة المحادثات التليفونية متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة”.

[65] تنص المادة (180) على أن “لا يجوز للنيابة العامة في التحقيق الذي تجريه تفتيش غير المتهمين، أو منازل غير المتهمين أو ضبط الخطابات والرسائل في الحالة المشار إليها في المادة 79 إلا بناء على إذن من القاضي الجزئي”.

[66]  محكمة استئناف البيضاء، الحكم الصادر في الدعوى الإدراية رقم 72 لسنة 2018، جلسة 15 أبريل 2019، القاضي بإلغاء القرار رقم 555 لسنة 2018.

[67] اللجنة الدولية للحقوقيين، المساءلة عن الجرائم الخطيرة بموجب القانون الدولي في ليبيا: تقييم لنظام العدالة، صـ 101.

[68] منظمة العفو الدولية، ليبيا: المحاكم العسكرية تصدر أحكاماً على مئات المدنيين في محاكمات صورية يشوبها التعذيب، 26 أبريل 2021.

[69] المحكمة الدستورية العليا المصرية، القضية رقم 39 لسنة 15 قضائية “دستورية”، بتاريخ 4 فبراير 1995، مكتب فني 6، جزء 1، صـ 511.

[70]  CCPR/C/GC/32، فقرة 48.

[71] المحكمة العليا الليبية، 16 مارس 1955، جـ 1، صـ 81، مشار اليه في . الهادي بوحمرة، الموجر في قانون الإجراءات الجنائية الليبي، 2018/2019، مكتبة طرابلس العلمية العالمية، الطبعة الثانية 2018، صـ 343.

[72]  المادة (32، 33) من قانون الإجراءات الجنائية.

[73]  المادة (74) من القانون رقم (5) لسنة 2005 بشأن مؤسسات الإصلاح والتأهيل

[74]  تقرير منظمة العفو الدولية للعام 2020/21، حالة حقوق الإنسان في العالم، صـ 153.

[75]  S/201 9/19، فقرة 33.

[76]  المصدر السابق، فقرة 34.

[77] S/2021/62، فقرة 58، وما بعدها.

[78] أخبار الأمم المتحدة: فاتو بنسودا تدعو أطراف النزاع في ليبيا إلى التوقف عن استخدام مرافق الاحتجاز لارتكاب الجرائم، بتاريخ 17 مايو 2021.

[79] CTOC/COP/WG.2/2013/22، فقرة 6.

[80]  تنص المادة (379) من قانون العقوبات على أن ” يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تجاوز خمسين دينارا كل من أحدث بغيره أذى في شخصه أدى إلى مرض. وإذا لم تجاوز مدة المرض عشرة أيام، ولم يتوافر ظرف من الظروف المشددة المنصوص عليها في المادة (382) فلا يعاقب على الجريمة إلا بناء على شكوى الطرف المتضرر”.

[81] تنص المادة (380) من قانون العقوبات على أن “يعد الإيذاء الشخصي جسيماً ويعاقب عليه بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بغرامة لا تجاوز مائة دينار إذا توافر أحد الظرفين الآتيين: إذا نجم عن الإيذاء مرض يعرض للخطر حياة المعتدى عليه أو يعرضه للعجز عن القيام بأعماله العادية مدة لا تزيد على أربعين يوماً؛ إذا وقع الفعل على الحامل ونجم عنه تعجيل الوضع”.

[82] تنص المادة (381) من قانون العقوبات على أن “يعد الإيذاء الشخصي خطيراً ويعاقب عليه بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات إذا نشأ عن الفعل:

مرض لا يرجى الشفاء منه أو يحتمل عدم الشفاء منه؛ فقد حاسة من الحواس أو إضعافها إضعافا مستديماً؛ فقد أحد الأطراف أو الأعضاء أو إضعافه إضعافاً مستديماً أو فقد منفعته أو فقد القدرة على التناسل أو صعوبة مستديمة جسيمة في الكلام؛ تشويه مستديم في الوجه؛ إجهاض الحامل المعتدى عليها”.

[83] توضيحًا لذلك، إن النص القانوني قد يكون بالغ الغموض وينقصه التحديد مما يجعل مهمة القاضي في التفسير مستحيلة. ففي هذه الحالة لا نكون بصدد مجرد شك في تحديد إرادة القانون، وإنما نكون حيال تعذر كامل في تحديد هذه الإرادة. وأمام غموض النص وعدم تحديده لا يمكن نسب الجريمة إلى المتهم أو الحكم عليه بعقوبة ما، لأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص. أحمد فتحي سرور، الحماية الدستورية للحقوق والحريات، دار الشروق، الطبعة الثانية (2000)، صـ 452.

[84]  اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، المادة 15؛ اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، التعليق العام رقم 20، الفقرة 12، مشار إليه في “المساءلة عن الجرائم الخطيرة بموجب القانون الدولي في ليبيا”، مرجع سابق، صـ 95.

[85]  A/HRC/31/47، فقرة 30.

[86]  مروان طشاني، المصدر السابق.

[87] A/HRC/31/47، فقرة 70.

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *