التقرير الفصلي الرابع لمركز مدافع بشأن حالة حقوق الإنسان في ليبيا
15 يوليوز 2021
(إبريل-يونيو 2021)
تابع مركز مدافع لحقوق الإنسان ببالغ القلق مخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي، لا سيما فيما يتعلق بأزمة التوصل إلى القاعدة الدستورية التي يُفترض إجراء الانتخابات العامة في ديسمبر المقبل بناءً عليها، كما تابع المركز مؤتمر برلين الثاني الذي بات أقرب لفعالية عامة تلتقي فيها الأطراف الدولية والإقليمية المعنية، والمتورطة، في الأزمة الليبية؛ ولكن دون توافر الإرادة السياسية للمجتمع الدولي لتنفيذ خلاصات المؤتمر.
وإذ تتفاقم المخاوف لدى العديد من الليبيين، بشأن احتمالات عدم إجراء الانتخابات في ديسمبر وفقًا لخارطة الطريق؛ وهذا الأمر يهدد بغرق البلاد في المزيد من الفوضى؛ فإن أوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين السلميين تزداد خطورة مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي. ويعد اختطاف المدافع عن حقوق الإنسان منصور عاطي دليلًا قويًا على عدم وجود إرادة سياسية لدى حكومة الوحدة الوطنية في حماية حرية التعبير والتنظيم والتجمع السلمي، وهي كلها ضمانات لا بد من توافرها، إن كانت هناك رغبة جادة في إجراء انتخابات تتمتع بالشفافية والنزاهة.
فشل التوافق على القاعدة الدستورية للانتخابات
في الثاني من يوليو الجاري، وبينما كان ينتظر الليبيون إعلان نتائج الجولة التفاوضية لملتقى الحوار السياسي الليبي، التي انعقدت في جنيف، والتوصل إلى توافق حول القاعدة الدستورية التي ستتم بناء عليها الانتخابات التشريعية والرئاسية المزمع عقدها في 24 ديسمبر المقبل؛ فوجئ الجميع بتصريحات ريزيدون زينينجا الأمين العام المساعد ومنسق بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بشأن فشل المحادثات في التوصل إلى الاتفاق الذي ينتظره الشعب الليبي.
وفيما يهدد عدم التوافق على القاعدة الدستورية القدرةَ على إنجاز إطار خارطة الطريق التي انتهى إليها ملتقى الحوار السياسي الليبي؛ فإن مصير إجراء الانتخابات العامة التي ستحدد مستقبل ليبيا، بات الآن في يد البرلمان الذي أعلن عن البدء في إعداد تشريع قانون جديد بخصوص الانتخابات الرئاسية، يمكن عَدُّه قاعدة دستورية يمكن البناء عليها. وفي هذا الإطار، شرع البرلمان أيضا يُوزِّع “الدوائر الانتخابية في أنحاء البلاد للوفاء بالاستحقاق الانتخابي في موعده”.
ومؤخرًا، قال عضو المجلس الرئاسي موسى الكوني إن المجلس ربما يضطر إلى أن يُصدِر “مرسومًا رئاسيًّا بقوة القانون ينشر في الجريدة الرسمية لاعتماد قاعدة دستورية بالتشاور مع جهات عدة تُشكِّل الإطار القانوني للانتخابات المقبلة في ديسمبر 2021”. وكشف الكوني عن أنه تم طرح هذه الفكرة على المحكمة العليا ومجلس القضاء وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مؤكدًا أنها ستكون “خيارًا أخيرًا خشية من أن يتسبب ذلك في مزيد الفرقة بين الليبيين”.
بالرغم من ذلك، لا توجد أي مؤشرات ملموسة بعد على إمكانية التوصل إلى حل لأزمة القاعدة الدستورية؛ بما يجعل الغموض يكتنف مصير الانتخابات البرلمانية والاستفتاء على الدستور. وفي ظل الوضع السياسي والأمني الهش في البلاد وتراجع المصداقية لملتقى الحوار السياسي؛ فإن المخاوف تتجدد بقوة إزاء احتمالات عدم القدرة على إجراء الانتخابات العامة كما هو مقرر في خارطة الطريق؛ وهذا الأمر يعني سقوط ليبيا في دوامة جديدة من الفوضى والعنف وعدم الاستقرار والفشل المتكرر في إنقاذ فرصتها في إنجاز التحول الديمقراطي الذي طال انتظاره.
وفيما يستمر الجدل حول القاعدة الدستورية، شهد يونيو 2021 انعقاد مؤتمر برلين 2، بعد نحو عام ونصف العام من انعقاد مؤتمر برلين الأول في مطلع 2020. ولعل أبرز ما ورد في البيان الختامي للمؤتمر، هو تأكيد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة التزامَه بتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها، بالرغم من كافة الشكوك التي تحوم حول إمكانية تنفيذ هذا الالتزام، بالإضافة إلى تأكيد البيان أن “كل القوات الأجنبية والمرتزقة يجب أن ينسحبوا من ليبيا بدون تأخير”. وقد أشارت وسائل إعلامية إلى أن تركيا، التي لها وجود عسكري قوي في ليبيا، قد عبرت عن “تحفظ” حول هذا الأمر دون مزيد من التفسير.
إن إلزام كافة القوات الأجنبية والمرتزقة بالانسحاب من الأراضي الليبية، هو أمر ضروري لحفظ أمن ليبيا ولدعم فرص عقد الانتخابات ودعم الاستقرار في البلاد، ولكن عدم توافر الإرادة السياسية الجادة التي تتجاوز تصريحات المؤتمرات الإعلامية، لا يُبشر بإمكانية تحقيق نتائج مؤتمر برلين. وفضلا عن تحفظ تركيا المشار إليه أعلاه، فلعل كلمة وزير الخارجية الألماني هايكو ماس قبيل انعقاد المؤتمر، التي أشار فيها إلى أن الأطراف التي تعهدت خلال اجتماع برلين الأول بسحب قواتها لم تفِ بتلك الوعود.
اختطاف مدافع عن حقوق الإنسان
في ظل حكومة الوحدة الوطنية، لا يزال المدافعون عن حقوق الإنسان يواجهون أخطارًا محدقة؛ إذ لم تتوافر بعد الإرادة السياسية لتعزيز حقوق الإنسان وحماية حرية التعبير والحق في التجمع السلمي والحق في التنظيم وتكوين الجمعيات، وهو الوضع الذي إذا استمر سيمثل تهديدًا جادًا لشرعية ومصداقية الانتخابات المزمع عقدها في 24 ديسمبر المقبل.
وبعد أن شهد الأسبوع الأول من إبريل إطلاق سراح الناشط المدني جمال عدس، رئيس فرع مفوضية المجتمع المدني في طرابلس، وذلك بعد اختطافه لنحو أسبوع؛ شهد مساء 3 يونيو الماضي، واقعة اختطاف الصحفي والمدافع عن حقوق الإنسان منصور عاطي المغربي، من قِبل أفراد يستقلون ثلاث سيارات (ماركة تويوتا) وسط مدينة أجدابيا (شرق ليبيا)، بالقرب من مقر لجنة الهلال الأحمر المحلية. ولم تحمل السيارات علامات مميزة أو لوحات أرقام. ووفقًا للشهود، شوهدت السيارات في المرة الأخيرة عند البوابة الشرقية لأجدابيا. ولا يزال مصير عاطي مجهولًا، حتى وقت إصدار هذا التقرير، وذلك في ظل تجاهل من السلطات الليبية المختصة، التي تجاهلت نداءات المنظمات الحقوقية الليبية والإقليمية والدولية من أجل الكشف عن مصير عاطي.
وتشير دلائل مختلفة إلى أن عاطي محتجز لدى أجهزة الأمن الداخلي في بنغازي. وبات من الجلي لغالبية المنظمات الحقوقية الليبية أن عاطي تعرض للاختطاف نتيجة عمله السلمي في مجال المجتمع المدني وحقوق الإنسان. وقد شارك مركز مدافع، في إطار عضويته في ائتلاف منظمات منصة ليبيا، في توجيه نداء عاجل إلى كل من المقرر الخاص المعنيّ بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، والمقررة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، والمقررة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، والفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي؛ وذلك من أجل الكشف الفوري عن مصير عاطي، وتوفير التوضيح اللازم بشأن اختطافه ومدى قانونية الإجراءات، وضمان وصوله لأسرته ولمحاميه.
كما وجه مركز مدافع رسالة عاجلة لكل من رئيس حكومة الوحدة الوطنية والنائب العام في ليبيا؛ وذلك للمطالبة باتخاذ إجراءات فورية للكشف عن مكان عاطي، وتوضيح ما إذا كان معتقلًا بشكل قانوني، وفي هذه الحالة، لا بد من ضمان تواصله مع محاميه. وفي حالة عدم قدرة السلطات على إثبات احتجازه على خلفية ارتكابه جريمة أو مخالفة؛ يتعين على النائب العام الأمر الفوري بإطلاق سراحه، والسماح له بإجراء فحص طبي للتحقق من عدم تعرضه لأي شكل من أشكال التعذيب أو سوء المعاملة أثناء الاحتجاز. هذا بالإضافة إلى ضرورة فتح تحقيق في واقعة اختطافه وإخفائه قسرًا، دون أمر قضائي من المدعي العام، ومحاسبة المسئولين الأمنيين المتورطين في جريمة الاختطاف.
مذبحة سجن “أبو سليم” تعود إلى ساحة القضاء
في 2 مايو 2021، رحب مركز مدافع بالحكم الصادر عن الدائرة الجنائية الثانية بالمحكمة العليا، الذي تم بموجبه إلغاء الحكم الصادر في 15 ديسمبر 2019 عن الدائرة الجنائية التاسعة بمحكمة الاستئناف في طرابلس، والمتعلق بمذبحة سجن “أبو سليم”، القضية رقم 100 لسنة 2014 والمقيدة برقم 782 لسنة 2017 سجل عام. وكان الحكم الذي تم إلغاؤه يقضى بسقوط الجريمة المسندة إلى الجناة مرتكبي مذبحة سجن “أبو سليم”؛ وذلك بدعوى مُضي المدة والتقادم. وبموجب القرار الجديد للدائرة الجنائية بالمحكمة العليا ستتم إعادة القضية لمحكمة جنايات طرابلس؛ للنظر فيها مرة أخرى أمام دائرة جديدة.
ويؤكد مركز مدافع أن الحكم الأخير يعد خطوة تجاه تحقيق العدالة التي طال انتظارها، ويدعو إلى كشف الحقيقة ومحاسبة الجناة وإنصاف الضحايا وذويهم. ويتطلع المركز إلى أن تمضي إجراءات المحاكمة الجديدة بشكل علني، مع الالتزام الكامل بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
وجدير بالذكر أن النظام السياسي السابق قد ارتكب في 29 يونيو 1996 واحدة من أفظع انتهاكاته في مجال حقوق الإنسان، وذلك في المذبحة التي راح ضحيّتها نحو 1275 معتقلًا، معظمهم كانوا من سجناء الرأي. ويُعَدّ “أبو سليم” من السجون التي كانت تضم معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين، ويخضع أجهزة أمنية مرتبطة بجهاز المخابرات العامة، وهو ما عُدَّ بمنزلة اختراق ومخالفة واضحة لمادتَيْ قانون الجنايات الليبي رقم 32 و33 اللتين تشددان على إشراف وزارة العدل على السجون لمنع وجود “سجونٍ سريّة” غير خاضعة لإشراف النيابة العامة. وتشير المعطيات إلى أن “مجزرة أبو سليم” تقع تحت مسئولية النظام السابق الذي قام بإعدام المعتقلين بعدما قاموا بتنظيم اعتصام مفتوح مُطالبين فيه بتحسين ظروف الاعتقال. وبعد الاحتجاج المتواصل ضد الظروف السجنية المزرية قام النظام بإعدام عشوائي خارج نطاق القانون؛ وهذا الأمر أسفر عن مقتل 1275 معتقلًا رميًا بالرصاص. ومن أبرز المتهمين في هذه القضية عبد الله السنوسي رئيس الاستخبارات في عهد القذافي، ومنصور ضو رئيس الحرس الخاص للقذافي، بالإضافة إلى آخرين.
ورغم مرور نحو ربع قرن على المذبحة، فإنها لا تزال جرحًا غائرا في ذاكرة الليبيين الذين فقدوا أهليهم ذلك اليوم الأسود ولم يستردّوا حقوقهم، بل أخضعت القضية لقانون التقادم – ومضي المدة- رغم وجود أدلة على تورط العديد من الشخصيات التي لا تزال على قيد الحياة. وهو ما يجعل قرار المحكمة العليا الصادر مؤخرًا في 2021، خطوةً طال أمد انتظارها من أجل تحقيق العدالة وجبر ضرر الضحايا وعائلاتهم وإنهاء الإفلات من العقاب.
بالفيديو: نيران السلطات الليبية تستهدف المهاجرين
لا يزال المهاجرون واللاجئون وطالبو اللجوء في ليبيا يعيشون ظروفًا بالغة السوء ويتعرضون لانتهاكات متكررة لحقوق الإنسان. وفقًا لإفادات مؤسسة بلادي لحقوق الإنسان؛ شهد 11 يونيو اختطاف طفلة لاجئة يمنية تدعى سامية عبد الله وتعيش مع أمها في المدينة القديمة بالعاصمة طرابلس. الطفلة المختطفة مسجلة لدى مفوضية اللاجئين منذ 2018. وقامت ما يزيد على 30 منظمة ومؤسسة ليبية بإدانة ما وصفته بإهمال وتقصير الجهات المسئولة عن حماية ومتابعة أوضاع اللاجئين في ليبيا في حماية الطفلة وتوفير مكان آمن لها. لا سيما أن الطفلة سبق أن تعرضت للخطف قبل نحو عامين في 2019.
وفي 20 يونيو، وقعت إصابات لبعض المهاجرين داخل مركز احتجاز بورشادة غريان، التابع لجهاز مكافحة الهجرة بطرابلس، وذلك عقب انفجار غير معروف الأسباب، ولم يصدر عن جهاز الهجرة ووزارة الداخلية أي بيان لتوضيح ملابسات الحادث والإعلان عن عدد الإصابات ومدى خطورتها.
وورد عن مؤسسة بلادي، وقوع إطلاق نار من قبل حرس داخل مركز احتجاز “أبو سليم” صوبَ المهاجرين بعد أن تم إعادتهم من البحر. ووفقًا لشهود العيان الذين تواصلت معهم مؤسسة بلادي، فقد وقع ما لا يقل عن 6 مهاجرين قتلى خلال الاعتداء عليهم.
وفي 30 يونيو، تمكنت منظمة “سي ووتش” الألمانية من توثيق إطلاق خفر السواحل الليبي النيران الحية صوب قارب للمهاجرين في عرض البحر، وذلك في مقطع فيديو انتشر سريعًا ليفضح ممارسات خفر السواحل الليبي، التي تنتهك حقوق الإنسان، وتعرض حياة المهاجرين للخطر. وهي ممارسات اعتاد الجناة ارتكابها في ظل غياب المحاسبة وتفشي الإفلات من العقاب في ليبيا. وبعد ردود الفعل واسعة النطاق إزاء التعامل الوحشي مع المهاجرين الذي سجله مقطع الفيديو، فضلا عن تقديم شكوى من منظمة “سي ووتش”؛ أعلنت إيطاليا في 5 يوليو اعتزامها فتح تحقيق بشأن ممارسات وانتهاكات خفر السواحل الليبي.
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!